17523- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن عامر: أنه سئل عن: ( الر) و ( حم) و ( ص) ، قال: هي أسماء من أسماء الله مقطعة بالهجاء، فإذا وصلتها كانت اسمًا من أسماء الله تعالى. * * * وقال آخرون: هي اسم من أسماء القرآن. *ذكر من قال ذلك: 17524- حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ( الر) ، اسم من أسماء القرآن. * * * قال أبو جعفر: وقد ذكرنا اختلاف الناس ، وما إليه ذهب كل قائل في الذي قال فيه وما الصواب لدينا من القول في ذلك في نظيره، وذلك في أول " سورة البقرة " ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (2) وإنما ذكرنا في هذا الموضع القدرَ الذي ذكرنا ، لمخالفة من ذكرنا قوله في هذا ، قوله في ( الم) ، فأما الذين وفَّقوا بيْن معاني جميع ذلك، فقد ذكرنا قولهم هناك ، مكتفًى عن الإعادة ههنا. (3) * * * القول في تأويل قوله تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) قال أبو جعفر: اختلف في تأويل ذلك. آلـــر |. فقال بعضهم: تلك آيات التوراة. * ذكر من قال ذلك: 17525- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن مجاهد: ( تلك آيات الكتاب الحكيم) ، قال: التوراة والإنجيل.
فإنه { هُدًى} لهم، يهديهم إلى الصراط المستقيم، ويحذرهم من طرق الجحيم، { { وَرَحْمَة}} لهم، تحصل لهم به السعادة في الدنيا والآخرة، والخير الكثير، والثواب الجزيل، والفرح والسرور، ويندفع عنهم الضلال والشقاء. الر تلك ايات الكتاب الحكيم اكان للناس عجبا. ثم وصف المحسنين بالعلم التام، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب اللّه، فيتركون معاصيه، ووصفهم بالعمل، وخص من العمل، عملين فاضلين: الصلاة المشتملة على الإخلاص ، ومناجاة اللّه تعالى، والتعبد العام للقلب واللسان، والجوارح المعينة، على سائر الأعمال، والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة، وتنفع أخاه المسلم، وتسد حاجته، ويبين بها أن العبد يؤثر محبة اللّه على محبته للمال، فيخرجه محبوبه من المال، لما هو أحب إليه، وهو طلب مرضاة اللّه. فـ { { أُولَئِكَ}} هم المحسنون الجامعون بين العلم التام، والعمل { { عَلَى هُدًى}} أي: عظيم كما يفيده التنكير، وذلك الهدى حاصل لهم، وواصل إليهم { { مِنْ رَبِّهِمْ}} الذي لم يزل يربيهم بالنعم; ويدفع عنهم النقم. وهذا الهدى الذي أوصله إليهم، من تربيته الخاصة بأوليائه، وهو أفضل أنواع التربية { { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}} الذين أدركوا رضا ربهم، وثوابه الدنيوي والأخروي، وسلموا من سخطه وعقابه، وذلك لسلوكهم طريق الفلاح، الذي لا طريق له غيرها.
﴿تِلْكَ آيَاتُ﴾: هناك آياتٌ كونيّةٌ تثبت صحّة آيات القرآن الكريم، وكلّ ما جاء من آياتٍ كونيّةٍ في القرآن الكريم ثبتت من خلال العلم والحجّة والدّليل والبرهان العقليّ، فالقرآن الكريم لا يمكن أن يصادم العقل البشريّ لا في وقت النّزول ولا في أيّ وقتٍ من الأوقات حسب تقدّم الأزمان وتطوّر العصور، وضربنا أمثلةً كثيرةً تتعلّق بمراحل تطوّر الجنين والأرض والسّماء والماء والهواء والنّبات وكرويّة الأرض وغيرها.
17526-.... قال، حدثنا إسحاق، قال، حدثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: ( تلك آيات الكتاب) ، قال: الكُتُب التي كانت قبل القرآن. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: هذه آيات القرآن. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، تأويل من تأوّله: " هذه آيات القرآن " ، ووجّه معنى (تلك) إلى معنى " هذه " ، وقد بينا وجه توجيه ( تلك) إلى هذا المعنى في " سورة البقرة " ، بما أغنى عن إعادته. (4) * * * و ( الآيات) ، الأعلام ، و (الكتاب) ، اسم من أسماء القرآن، وقد بينا كل ذلك فيما مضى قبل. (5) * * * وإنما قلنا: هذا التأويل أولى في ذلك بالصواب، لأنه لم يجيء للْتوراة والإنجيل قبلُ ذكرٌ ولا تلاوةٌ بعدُ، فيوجه إليه الخبر. تفسير قوله تعالى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ. فإذْ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: والرحمن، هذه آيات القرآن الحكيم. * * * ومعنى ( الحكيم) ، في هذا الموضع، " المحكم " ، صرف " مُفْعَل " إلى " فعيل " ، كما قيل: عَذَابٌ أَلِيمٌ ، بمعنى مؤلم، (6) وكما قال الشاعر: (7) *أمِنْ رَيْحانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ* (8) وقد بينا ذلك في غير موضع من الكتاب. (9) فمعناه إذًا: تلك آيات الكتاب المحكم ، الذي أحكمه الله وبينه لعباده، كما قال جل ثناؤه: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [سورة هود: 1] ----------------------- الهوامش: (1) الأثر: 17518 - " يحيى بن داود بن ميمون الواسطي " ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 4451 ، 11545.
قال ابن عباس: ( الر) معناه أنا الله أرى. وقيل: أنا الرب لا رب غيري. وقيل: ( الر) و ( حم) و ( ن) اسم الرحمن.
من إحكامها، أنها جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني وأحسنها. ومن إحكامها، أنها محفوظة من التغيير والتبديل، والزيادة والنقص، والتحريف. ومن إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم يخبر بخلافها، نبي من الأنبياء [ولم يأت ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح، يناقض ما دلت عليه] ومن إحكامها: أنها ما أمرت بشيء، إلا وهو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت عن شيء، إلا وهو خالص المفسدة أو راجحها، وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر حكمته فائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته. ومن إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يوسف. ومن إحكامها: أنك تجد آياته المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، وأعمل فيها العقل تفكرا، انبهر عقله، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ، وجزم جزما لا يمترى فيه، أنه تنزيل من حكيم حميد. ولكن - مع أنه حكيم - يدعو إلى كل خلق كريم، وينهى عن كل خلق لئيم، أكثر الناس محرومون الاهتداء به، معرضون عن الإيمان والعمل به، إلا من وفقه اللّه تعالى وعصمه، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق.