رابعًا: في الدعاء حسن الظن بالله في قوله: (عفو تحب العفو) استشعار بأن الله كثير العفو؛ بل يحب العفو عن عباده، فيحسن المسلم ظنه بالله تعالى، ويقوى طمعه في عظيم عفوه، فينعم قلب المؤمن بالرجاء، كيف لا وهو يذكر قول ربه جلا وعلا: «أنا عند ظن عبدي بي إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ»؛ (رواه الطبراني بسند صحيح). وما أجمل توسُّل زكريا عليه السلام إلى ربه! بقوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4]؛ أي: ولم أعهد منك يا رب إلَّا الإجابة في الدُّعاء، ولم ترُدَّني قطُّ فيما سألتُك، فلا تقطع عادتك، ولا تمنع جميلك، وكما لم أشْقَ بدعائي فيما مضى، فأنا على ثقة أني لن أشقى به فيما بقي، فلنطمع عباد الله في عفو الله ورحمته ومغفرته، ولنحسن الظن بربنا جل وعلا، ولنعمر قلوبنا بحبِّه سبحانه. علينا أن نستغل ما بقي من أيام هذا الشهر، فالأعمال بالخواتيم، ونحن نعيش أشرف الليالي والأيام، فكل الغبن أن نفرط فيها، قال ابن القيم رحمه الله: "والله سبحانه يعاقب من فتح له بابًا من الخير فلم ينتهزه بأن يحول بين قلبه وإرادته فلا يمكنه بعدُ من إرادته عقوبةً له". كونوا من أهل القيام والتهجُّد والذكر والدعاء والقرآن، عَمِّروا هذه الأوقات الشريفة، فقد لا تعود عليكم، فكم فقدنا من قريب وحبيب؟!
قبيل الرحيل الظفرُ بالمحبوب واللقاءُ به هو غايةُ المنى، وكلما طال اللقاءُ زادت الأشواق إليه، واستبدَّ الوَلَهُ بصاحبه، وليل المحبين هو أشرف أزمانهم؛ ففيه تطيب المنادمة والمسامرة، ولا يعكر صفْوَ هذا المتعة إلا خوفُ الفِراق، وقديمًا قال الأول: وَما في الأَرضِ أَشقى مِن مُحِبٍّ وَإِن وَجَدَ الهَوى حُلْوَ المَذاقِ تَراهُ باكِيًا في كُلِّ وَقتٍ مَخافَةَ فُرقَةٍ أَوْ لاشتِياقِ فَيَبكي إِن نَأى شَوقًا إِلَيهِم وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ فَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَّنائي وَتَسخنُ عَينُهُ عِندَ التَّلاقي هذا في محبوب الدنيا فكيف بمحبوب يصل القلوب بسرِّ سعادتها في الدنيا والآخرة؟! كيف بمحبوب جاء يحمل إلينا الرحمة والبركات والعفو والمسرَّات والطمع في الجنة؟! كيف بمحبوب سلب قلوب الأتقياء والأصفياء فاستبشروا به وبشروا؟!
_________________________________________________________ الكاتب: أ. شائع محمد الغبيشي
وهو العفو فعفوه وسع الورى لولاه غار الأرض بالسكان ثانيًا: أن التوسُّل باسم الله تعالى (العفو) من أعظم أسباب الفوز بعفوه سبحانه، فهو العفوُّ الذي يحب العفو والستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها، ويستر العيوب، ولا يحب الجهر بها، يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا، ويفتح واسع رحمته فضلًا وإنعامًا، فيطمع العبد في عظيم عفوه.