في صحراء الربع الخالي الممتدة من حضرموت ومأرب والجوف وشبوة وصولاً إلى الحدود مع السعودية، يعيش الآلاف من البدو الرحل اليمنيين حياة صعبة ومعقّدة في صحراء قاحلة، لا توجد فيها وسائل للحياة وتفتقر لأبسط مقومات المعيشة. مراسل "اندبندنت عربية" تفقّد بعضاً من مناطق انتشار البدو الرحل في تلك الصحراء الواسعة، واطّلع عن قرب على التفاصيل اليومية لحياة البدوي في صحراء الربع الخالي. يسكن البدو الخيام التي تُثبّت في الأرض، ويتنقّلون بها حيثما توجهت رحلتهم، خيام لا تقيهم برد الشتاء القارس، ولا حرارة الصحراء القاتلة التي تصل إلى 40 درجة في موسم الحرّ. لا يعترف البدو الرحل بالمشقة سعياً وراء رزقهم (اندبندنت عربية) حمد سالم حفرين العبيدي من محافظة مأرب شرق اليمن، كهلٌ يبلغ من العمر 75 سنة، عاش حياته متنقّلاً في الصحاري يرعى ماشية من الإبل، التقيناه في منطقة في الصحراء اسمها مرة، شرق البرقة. يقول العبيدي "نحن في هذا المرعى منذ شهر ونصف الشهر". البدو في السعودية, البدو و النساء في السعودية ايّام زمان ذكريات من السعودية - Youtube. وعن طريقة حفظ هذه الأعداد من الضياع في الصحراء الواسعة، يقول "يحفظها الله. أنا أقوم بإطعامها والرعي، وبعضها يُفقد لشهرين أو ثلاثة ثم يعود إلينا". عن الصعوبات التي تواجه البدو الرحل، يجيب "نتعرض لبرد وحر شديدين، لكننا صابرون من أجل الرزق الحلال".
تتجاذب ظروف الحياة اليومية البدو الرحل بين العيش اليسير في المدن أو تحمل شظف العيش في الصحراء ، وغالبا ما تكسب المدن الرهان لصفاتها التي باتت ضرورية للحياة العصرية ومطالبها. اليمن... بدو الربع الخالي صامدون برغم المعاناة | اندبندنت عربية. ويفضل البدو الرحل خصوصا من فئة الشباب حياة المدن من أجل تعليم ابنائهم في المدارس ، وقرب المرافق والخدمات. إلا أنه في المقابل يظهر من لايزال متمسكا بحياة البادية ، والعيش بين رمال الصحراء ، وتلحّ رغبات كبار السن خصوصا للعيش في كنف الصعوبات وتحديات البراري ، رامقة أعينهم ذيك البراري التي عاشوا فيها نيفا من الزمن. رصدت " واس " بعض من فضّل العيش في البراري من كبار السن في صحراء تربة - وهم قلة - مازالوا قاطني البادية ، وما يعتريها من قسوة ومعاناة ، مؤكدين أنها الصحراء التي احتضنتهم صغارا وعلمتهم شبابا ، وألهمتم كبارا بكل معاني الصبر والتحمل والاعتماد على النفس في القيام بمهام الحياة اليومية. يقول حمدي البقمي البالغ من العمر 98 عامًا: كان الناس في الماضي جميعهم من البدو الرحل ، يتنقلون من مكان لآخر ، يتبعون القطر أينما حل،ويعيشون بالقرب من مصادر المياه ، خصوصًا الآبار التي كانوا يعتمدون عليها صبحا وعشيا وما تنتجه مواشيهم من أغنام وإبل من الحليب والسمن والاقط.
وأبان بأن أبنائه قاموا ببناء منزل حديث في أحد المراكز القريبة ، وطلبوا منه الانتقال للعيش بينهم وبين أحفاده إلا أنه أصر على البقاء في الصحراء. ويضيف: لقد ولدت وعشت هنا ، في الصحراء الشاسعة التي لا حدود لها ، وأتوق دائمًا إلى الانطلاق معها بحرية لا يعرفها من سكن المدن. على ذات الجانب التقت " واس " بنهار البقمي والبالغ من العمر 80 عامًا الذي لم يبتعد كثيرا عن جاره حمدي البقمي إلا أنه شكل فارقا حينما تحمل ضريبة البقاء في الصحراء ونقل أبناءه للمدارس يوميا. يقول: الصحراء مثل الماء لي لا أستطيع العيش بدونه ، ويهمني في الوقت ذاته أن يتعلموا ابنائي في المدارس ، وجمعت بين الحسنيين. ويصر على تحمل التعب وقطع مسافة 40 كلم يوميا لتوصيل أبناءه للمدارس والورود على بئر ماء ، ثم القفول مرة أخرى للقطين ، مرجعا ذلك إلى أن الصحراء تعلم الكثير ، وهي مدرسة موازية للمدارس النظامية. يدلل على ذلك بالقول: شكلت الصحراء لي ولغيري أكبر التحديات في شبابنا من خلال الترحال والتنقل للبحث عن الماء والكلأ ، ونقوم برعي الأغنام بأنفسنا ، ونحضر المياه من الآبار على ظهور الجمال لنسقي ماشيتنا، ونسكن في بيوت الشعر حيث يختار أبناء القبيلة جميعهم مكانًا واحدًا بالقرب من موارد المياه وسط الصحراء ، ونعتمد في غذائنا على الحليب واللحم ، وما نجنيه من بيع الماشية.
وهي صيغة تصغيرية لما سيأتي ذكره، رغم أن التشبيه بالحُجّاج يذهب إلى التبجيل! حيث الجبال: "جبال كثيرة متراكمة متراصة كحجاج عماليق". والبحر: "بحر قديم كحساء بائت/ لا تتجمع فوقه الغيوم المالحة/ إلا لكي تتلاشى سريعا"، والسماء: "سماء صدئة الملامح كوجه راعٍ جبلي/ لا يعرف عن السماء الجديدة/ وخرائطها الأرضية شيئا". لينتهي بالفجيعة الكبرى: "أما الشمس/ فتبدو كفجيعة كبرى بسياطها اللاهبة". نجاة شاعر المحاورة محمد السناني من حادث مروري. مشهد ربما مأساوي، أليس كذلك! يأتي استدعاء التاريخ كمكون أساسي للمكان في المقطع الثاني، عبر "بيبي مريم"، أي السيدة مريم، حاكمة المدينة الشهيرة "قلهات" في منتصف العصور الوسطى، زمن ازدهارها البحري اقتصادياً وعسكريا. وقلهات تحُدّ مدينة صور، وقبر السيدة ما زالت آثاره بمقصورتها المطلة على البحر: "وحدها في تلة منسية ترقد تلك المرأة الغامضة/ سيدة الماضي الغارق في عبثيته/ اسمها الخالد في النقوش المندثرة/ يغري شعراء وروائيين وغزاة جددا/ بالولوج لمخدعاها/ وسرقة تاجها…". تتداخل النظرة الاعتبارية للتاريخ في لحظة مجده ودور الغزاة في تدمير المدينة وتشريد سكانها! تنتهي القصيدة في المقطع الثالث بنصيحة اختتامية "للمسافر الجوال"، والذي ربما يكون محمد السناني هو ذاته، ذلك الصديق المسافر الذي يتم نصحه بالهرب، في تحليل للواقع والحدس بما هو قادم.
محمد السناني معلومات شخصية تعديل مصدري - تعديل محمد بن متروك بن خليف بن مطلق السناني الجهني شاعر جهينة يعتبر أبرز شعراء المحاورة في الساحة الشعبية ولد في عام 1384هـ في العيص بدأ شعر المحاورة وعمره لا يتجاوز 15 عام وأول بدايته عام 1404هـ مع شعراء امثال صياف السحيمي وحبيب العازمي ونواف العازمي وعبد الله العير وفيصل الرياحي وزيد العضيلة يلقب بأبو تركي. [1] يمتاز بجمال الصوت وقوة المعنى له العديد من المحاورات مع شعراء العصر الذهبي وكان له فيها صولات وجولات.
في قصيدة "إعلان سياحي مُتخيّل"؛ يحضر المكان في زمنه الحاضر بمكونه الثقافي. إعلان سياحي يحُضّكَ على مغادرة المكان وليس المجيء إليه! : "…/لا تُفْن نفسك في سبيل حُب بخيل ومترفع/ ابصقْ عليه/ وغادر هذه الصحراء، واحرق كل براقع الكذب/ وسراويل العفّة وعباءات الحسرة/ فهناك فيما وراء هذا الأفق الغباري الضيق/ تنفتح السماوات على غابات جمالية/…". ربما يكون هناك تأثر بأدباء آخرين في "نشيد البراءة"، وإن كان خافتا. خاصة حين يكون المكان عاملاً مُشتركا، حيث يتسرّب صوت سيف الرحبي من خلال ثيمة البيئة الوحشية ودلالتها في تقاطعه مع الوجود والحياة اليومية. لكنها ثيمة أصيلة في تجربة محمد الشعرية، يتم التعبير عنها بفرادة تبعده عن الصوت المباشر لمن جاء قبله من شعراء. ويمكننا أن نذهب أبعد قليلا، ونقول؛ للبحر –ومرادفاته- سطوة عالية عند محمد السناني في "نشيد البراءة"، بينما تتردد أكثر كلمات مثل "صحراء، جبال، ذئاب، أودية" عند سيف الرحبي، وربما يعود هذا لاختلاف بيئة النشأتين، (أنظر: "سيرة طفل عُماني"، سيف الرحبي)، مع الأخذ في الاعتبار البعد الزمني وتراكم الانتاج. فتجربة سيف الأدبية تقترب أو تزيد عن الأربعين عاما.. حسب تقديري.