ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر أبو القاسم الشابى
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من يتهيب صعود الجبال***يعش ابد الدهر بين الحفر شبكة البصرة أبو سرحان الزيدي قال الشاعر أبو القاسم ألشابي ومن يتهيب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر ولا ندري ما الذي يجعل العراقيين يفضلون الحفر وبكل ما فيها من نتانة وضيق نفس. أيخشون صعود الجبال أم أن هواء الحرية يخنقهم؟. والمعروف عبر كل التاريخ أن العراقي مكانه دائما الربا والمعالي، وهو أشم، مقداد. يصارع الباطل من اجل الحق وينتصر له حيث كان. فلماذا هو ساكت إزاء ما يحدث واقصد الغالبية الذين استهوتهم لمعة الدولار وبريقه؟. إن الذي يجري ليستنهض كل ذي مروءة وأصالة وحمية. حضارة تدمر وشعب يشرد وخير ينهب ومقدسات تدنس وشوامخ تسقط بأيد وسخة ونفوس عفنها اللؤم والحقد والكراهية الممتدة عبر ألاف السنين. ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر. حملة صفوية تريد مسح العراق من الخارطة العربية وضمه إلى فارس. وسلخ العراقي من كل المزينات. الأخلاقية، المروءة، الكرم، الإباء، الرجولة، الشجاعة، الإيمان والحب الذي يتسامى في الأرض الطيبة، منار العلم وبيت العلماء. نعم لا تقبل فارس بأقل من أن ترى العراق ساحة لكلابهم الجر باء وسوق لبيع المخدرات وإشاعة الفساد لتعطيل كل الطاقات الشبابية ودثر بل اجتثاث كل حالات الإبداع بمتابعة قتل العلماء والمبدعين وتغيير المناهج التي هي عبارة عن تراكم ممتد على طول تاريخ العراق وموشح بالبراقع الإسلامية والتراث الإسلامي المتزاوج مع كل ما هو ايجابي في العهود التي سبقت الإسلام.
٢-بين الحفر.
قضى العمال يومهم يحومون حول الشجرة, يخرجون من المنزل ويدخلون, يتحدثون ويستشيرون وقد أصابتهم الدهشة من حجمها وجذعها العريض. وعند الساعة الثانية بعد الظهر قال رئيس العمال: نأسف يا سيدي لا يمكننا اجتثاثها ولا حتى قطعها, جذعها سميك جدًا والمنشار الذي لدينا لا يمكنه قطع جذع بهذا السمك, أما جذورها فضاربة في الأرض حتى مداخل القرية فكيف يمكننا اقتلاعها؟ سكت برهة ثم قال: أعتقد والله أعلم أن هذه الشجرة قد حمت بيتك, بل القرية بأكملها!! قال أبو القاسم الشابي : ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر - قلمي سلاحي. أتذكر الأمطار الغزيرة التي هطلت علينا قبل سنتين والسيل الجارف الذي تكوّن بعدها, ألا تذكر بأننا القرية الوحيدة في المنطقة التي لم تتضرر من السيول, وقد احتار الأهالي في تفسير ما حدث أعتقد بأن جذورها امتصت جزء كبير من المياه, كما إنها ثروة طبيعية يا رجل! انظر لعدد الأعشاش فيها إذا أزلتها ستجعل الطيور بدون مأوى وستخسر من يخلصك من الديدان والبعوض. كما أنها تمنع عن منزلك الغبار وتمتص الأدخنة فبفضلها لا يدخل بيتك غير الهواء النقي, فضلاً عن جمالها وما توفره لك من ظلال وثمار وخشب للتدفئة, لا أنصحك بقطعها أبدًا. ودّع رئيس العمال والد أمل والحيرة قد أخذت منه مأخذه ، فيحدث عماله قائلاً: لم أشعر يومًا بما شعرت به إلاّ مع هذه الشجرة وكأن من يمنعني عن قطعها.
توطدت العلاقة بينهما فأصبحت ترى ما لا يراه الآخرون, ففي موسم المانجو تنزل الشجرة أغصانها ليكون في متناول يدها جني الثمار وتستغرب والدتها من عدد حبات الثمار التي استطاعت أن تلتقطها. وعندما تشتد حرارة الجو تحرك أغصانها لتروّح عنها وتلطف لها الجو. اعتبرت أمل أن لديها أسرار لن تطلع أحدًا عليها فعائلتها لن تصدقها ففضلت أن تبقي ما تراه طي الكتمان. مرضت أمل ولم تنزل من غرفتها للقراءة, وفي اليوم التالي سمعت طرقات على زجاج نافذتها قالت لأمها: هناك من يطرق الزجاج! ولكن أمها ردت بأن أغصان الشجرة تحركها الريح فتضرب في الزجاج. قال أبو القاسم الشابي : ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر - خدمات للحلول. قالت أمل: إنها تتفقدني وتسأل عني فلم ترني منذ أمس الأول! ردت أمها: حسنًا يا ابنتي ارتاحي الآن. ولكن أمل ردت غاضبة: أنتم لا تصدقوني هذه الشجرة تشعر مثلنا وتساعدنا وقت الحاجة.. غفت عيناها وهي تردد: صدقوني... صدقوني.. مر فصل الشتاء بطيئًا وثقيلاً, فالجلوس في الخارج أصبح صعبًا على أمل بسبب برودة الجو, فتكتفي بالنظر إلى صديقتها من نافذتها وتعتذر منها لعدم قدرتها على النزول. حلّ فصل الصيف وعادت للقراءة والاستمتاع تحت الشجرة والنظر إلي منظرها البديع وقد امتلأت بثمار المانجو طيبة الطعم والرائحة المتدلية كأنها مصابيح صُفر.
وفاء شجرة شارفت الشمس على المغيب, وقع أقدام خفيفة على الدرج, إنها أمل ذات العشرة أعوام, تحمل كتابها وتتجه مسرعةً للباحة الخلفية لمنزلها, حيث تنتظرها شجرة المانجو العملاقة لتجلس قربها, وقبل أن تبدأ في القراءة ترفع رأسها تتأمل أشعة الشمس البرتقالية تتخلل بين الأغصان, تأخذ نفسًا عميقًا لتملأ رئتيها بهواء ٍ عذب لطيف ثم تفتح قصتها فتأخذها وتسافر في عالم الأحلام. لم تعتبر أمل تلك الشجرة مكان للقراءة فقط بل صديقة وفية تبث لها أحلامها وأمانيها, وأم حنون تحتضنها لتحيطها بالدفء والحب. استيقظت أمل صباح أحد الأيام على صراخ أخيها, فتحت النافذة وإذا به على سقف العليّة وأفراد عائلتها في الأسفل ينظرون إليه وهم في حيرة ٍ ما عساهم يفعلون لإنزاله من الأعلى, وإذا بنسمات تحرك أغصان الشجرة فتمتد لتصل إلى سقف العليّة فيتعلق بها الصبي ويظل متشبـَّثـًا بها إلى أن وصلت فرقة الإنقاذ. أخذت أمل تحدث نفسها: لم يكن عبثًا ما رأيته فالشجرة أنقذت حياة أخي! مرت الأيام ولازالت الحادثة عالقة في ذهن أمل, وكلما روت الحدث لأحدٍ من أسرتها قُوبلت بالاستهزاء والسخرية, ولكنها على يقين تام بأن الشجرة تحركت لإنقاذ أخيها, فكلما جلست قربها وقت القراءة شكرتها وأثنت عليها.