وهذه القرية هي " أيلة " وهي على شاطئ بحر القلزم. قال محمد بن إسحاق: عن داود بن الحصين ، عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر) قال: هي قرية يقال لها " أيلة " بين مدين والطور. وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي. وقال عبد الله بن كثير القارئ ، سمعنا أنها أيلة. وقيل: هي مدين ، وهو رواية عن ابن عباس وقال ابن زيد: هي قرية يقال لها. " مقنا " بين مدين وعيدوني. وقوله: ( إذ يعدون في السبت) أي: يعتدون فيه ويخالفون أمر الله فيه لهم بالوصاة به إذ ذاك. ( إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا) قال الضحاك ، عن ابن عباس: أي ظاهرة على الماء. وقال العوفي ، عن ابن عباس: ( شرعا) من كل مكان. قال ابن جرير: وقوله: ( ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم) أي: نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده ، وإخفائه عنهم في اليوم المحلل لهم صيده ( كذلك نبلوهم) نختبرهم ( بما كانوا يفسقون) يقول: بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها. وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَو-آيات قرآنية. وهؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم الله ، بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام. وقد قال الفقيه الإمام أبو عبد الله بن بطة ، رحمه الله: حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم ، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل " وهذا إسناد جيد ، فإن أحمد بن محمد بن مسلم هذا ذكره الخطيب في تاريخه ووثقه ، وباقي رجاله مشهورون ثقات ، ويصحح الترمذي بمثل هذا الإسناد كثيرا.
(28) * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: " ويوم لا يسبتون ". فقرئ بفتح " الياء " من (يَسْبِتُونَ) =من قول القائل: " سبت فلان يسبت سَبْتًا وسُبُوتًا " ، إذا عظَّم " السبت ". * * * وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه: (وَيَوْمَ لا يُسْبَتُونَ) بضم الياء. =من " أسبت القوم يسبتون " ، إذا دخلوا في " السبت ", كما يقال: " أجمعنا " ، مرّت بنا جمعة, و " أشهرنا " مرّ بنا شهر, و " أسبتنا " ، مرّ بنا سبت. * * * ونصب " يوم " من قوله: " ويوم لا يسبتون " ، بقوله: " لا تأتيهم " ، لأن معنى الكلام: لا تأتيهم يوم لا يسبتون. * * * --------------------- الهوامش: (20) (1) الأثر: 15254 - (( سلام بن سالم الخزاعى)) ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 252 ، 6529. تفسير سورة الأعراف الآية 163 تفسير السعدي - القران للجميع. و (( يحيى بن سليم الطائفي)) ، مضى برقم: 4894 ، 7831. وانظر هذا الخبر وتمامه فيما سيأتي رقم 15271. (21) (1) (( عينونى)) ، وتكتب أيضاً ( عينونا)) ، و (( عينون)) ، ذكرها ياقوت في معجمه في الباب ، وذكرها البكرى في معجم ما استعجم في (( حبرى)) ، ولم يفرد لها باباً. قال ياقوت: (( من قرى باب المقدس. وقيل: قرية من وراء البثنية من دون القلزم ، في طرف الشام ، ذكرها كثير: إِذْ هُـنَّ فِـي غَلَـسِ الظَّـلامِ قـوارِبٌ أَعْــدَادَ عَيْــنٍ مـن عُيُـونِ أُثَـالِ يَجْــتَزْنَ أَوْدِيَـةَ البُضَيْـعِ جَوَازِعًـا أجْــوَازَ عَيْنُونَــا، فَنَعْــفَ قِبَـالِ وقال يعقوب: سمعت من يقول: عين أنا... وقال البكرى: هي قرية يطؤها طريق المصريين إذا حجوا.
ولا يوصل إلى علم ما قد كان فمضى مما لم نعاينه, إلا بخبر يوجب العلم. ولا خبر كذلك في ذلك. * * * وقوله: " إذ يعدون في السبت " ، يعني به أهله، إذ يعتدون في السبت أمرَ الله, ويتجاوزونه إلى ما حرمه الله عليهم. * * * يقال منه: " عدا فلان أمري" و " اعتدى " ، إذا تجاوزه. (23) * * * وكان اعتداؤهم في السبت: أن الله كان حرَّم عليهم السبت, فكانوا يصطادون فيه السمك. القرية التي قال الله عنها إنها حاضرة البحر - فقه. (24) * * * = " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرَّعًا " ، يقول: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم الذي نهوا فيه العمل= " شرَّعًا ", يقول: شارعة ظاهرةً على الماء من كل طريق وناحية، كشوارع الطرق، كالذي: - 15262- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك، عن ابن عباس: " إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعًا " ، يقول: ظاهرة على الماء. (25) 15263- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: " شرعًا " ، يقول: من كلّ مكان. * * * وقوله: " ويوم لا يسبتون " ، يقول: ويوم لا يعظمونه تعظيمهم السَّبت, وذلك سائر الأيام غير يوم السبت= " لا تأتيهم " ، الحيتان= " كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون " ، يقول: كما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء الذي ذكرنا، بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده, وإخفائه عنهم في اليوم المحلل صيده (26) = " كذلك نبلوهم " ، ونختبرهم (27) = " بما كانوا يفسقون " ، يقول: بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها.
وهذا الطَّبري يقول في تفسيره للقصَّة: "قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واسأل يا محمد هؤلاء اليهود، وهم مجاوروك، عن أمر "القرية الّتي كانت حاضرة البحر"، يقول كانت بحضرة البحر، أي بقرب البحر وعلى شاطئه، واختلف أهل التّأويل فيها، فقال بعضهم: هي "أيلة" بين مَدْيَن والطّور، وقال بعضهم: هي "مَقْنا" بين مدْين وعينوني. وكان اعتداؤهم في السَّبت أنَّ الله حرّم عليهم السَّبت (الصّيد فيه)، فكانوا يصطادون فيه السَّمك، حيث كانت الأسماك والحيتان ظاهرةً بوفرة على الماء يوم السّبت، فالله أظهر السّمك لهم في اليوم المحرَّم صيده، وأخفاه عنهم في اليوم المحلَّل صيده، كي يختبرهم "بما كانوا يفسقون"، بفسقهم عن طاعة الله وخروجهم عنها". [التّفسير الجامع للطبري]. وعلى المعتبِر من القصَّة أن يفتح عقله ومشاعره على الحكمة في كلِّ ذلك، كي يزداد إيماناً بالغيب وبمعجزة الله تعالى وقدرته وعلمه المطلق. *إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.
قال الله تعالى: (واسْأَلْهُمْ عَنِ القَرْيةِ التِي كانتْ حاضِرةَ البَحْرِ إذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إذْ تَأْتيهِمْ حِيتانُهمْ يَومَ سبْتِهم شُرَّعًا ويوم لا يَسبِتونَ لا تأتِيهم كذلكَ نَبلُوهُم بِما كانُوا يَفسُقونَ) (سورة الأعراف: 163). هذه الآية من ضمن الآيات التي تحدّثت عن بني إسرائيل وتمرّدهم على أوامر الله وعصيانهم لتوجيه أنبيائهم، تأمر هذه الآية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يسأل اليهود الموجودين معه في المدينة سؤال تذكير لهم بما حدث لآبائهم الذين ورثوا عنهم الصفات والأساليب التي يعاملونه بها. فقد حدث أن سكّان قرية ساحلية اختُلف في تعيينها على أقوال كثيرة، منها أنّها أيلة أو مَدين أو طبريّة أو غيرها ـ خالَفوا أمر الله بتحريم اصطياد السّمك يوم السبت، ومن أجل اختبارهم لإظهار مدى أمثالهم لأمر الله جعل الله الحيتان كثيرة في هذا اليوم، وفي متناول أيديهم، ليسهل عليهم صيدها (شَرَّعًا) ظاهرة رافعة رؤوسها، بخلاف الأيام الأخرى غير يوم السّبت، وهو معنى قوله: (لا يَسبِتون) حيث تكون قليلة تحتاج إلى جهد لصيدها، فلم تطاوِعهم أنفسهم أن يتركوها ، فاصطادوها غير مُبالين بنَهي الله عن صيدها.
روي في قصص هذه الآيات أنها كانت في زمن داود عليه السلام. واختلف أهل التفسير في تعيين هذه القرية: أي قرية هي؟ فقيل أيلة، وقيل طبرية، وقيل مدين بين أيلة والطور، وقيل إيليا، وقيل قرية من قرى ساحل الشام بين مدين وعينون. وكان اليهود يكتمون هذه القصة لما فيها من السبة عليهم. قال أبو جعفر الطبري: والصواب من القول في ذلك أن يقال: هي قرية حاضرة البحر، وجائز أن تكون أي من القري المذكورة، لأن كل ذلك حاضرة البحر، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع العذر بأي من ذلك. حرّم الله سبحانه على أهل هذه القرية صيد الحيتان يوم سبتهم، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً من كل مكان في ساحل البحر. فإذا مضى يوم السبت، غاصت فلم يأت حوت واحد، فلا يقدروا عليها حتى يغوصوا. فمكثوا بذلك ما شاء الله. وكانوا قوماً قد اشتدت شهوتهم إلى أكل الحيتان ولقوا من ذلك بلاءً، فاتخذ رجل منهم خيطاً ووتداً، وأخذ حوتاً فربط في ذنبه الخيط، ثم ربطه إلى الوتد، ثم تركه في الماء، حتى إذا غربت الشمس من يوم الأحد، اجتره بالخيط ثم شواه. فوجد جار له ريح حوت، فقال: يا فلان، إني أجد في بيتك ريح نون! فقال: لا! قال: فتطلع في تنوره فإذا هو فيه، فأخبره حينئذ الخبر.