وأهل الكوفة يقرءون: ( تحسبها) بفتح السين وهو القياس; لأنه من: حسب يحسب ، إلا أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل ، فتكون على: فعل يفعل ، مثل: نعم ينعم وبئس يبئس. وحكي: يئس ييئس ، من السالم ، لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف. وهي تمر مر السحاب تقديره: مرا مثل مر السحاب ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف والمضاف مقام المضاف إليه; فالجبال تزال من أماكنها من على وجه الأرض وتجمع وتسير كما تسير السحاب ، ثم تكسر فتعود إلى الأرض كما قال: وبست الجبال بسا صنع الله عند الخليل وسيبويه منصوب على أنه مصدر; لأنه لما قال عز وجل: وهي تمر مر السحاب دل على أنه قد صنع ذلك صنعا. ويجوز النصب على الإغراء; أي انظروا صنع الله. صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون. فيوقف على هذا على ( السحاب) ولا يوقف عليه على التقدير الأول. ويجوز رفعه على تقدير: ذلك صنع الله. الذي أتقن كل شيء أي أحكمه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: رحم الله من عمل عملا فأتقنه. وقال قتادة: معناه: أحسن كل شيء. والإتقان: الإحكام; يقال: رجل تقن ، أي حاذق بالأشياء وقال الزهري: أصله من ابن تقن ، وهو رجل من عاد لم يكن يسقط له سهم فضرب به المثل; يقال: أرمى من ابن تقن.
واسال الله الكريم الحليم رب العرش العظيم ان يجعل عملي هذا خالص مبارك لوجهة الكريم وسلطانة العظيم.
فكانت الكفالة: ﴿ إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ [طه: 40]. ثم الحماية: ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ [طه: 40]. ثم النجاة من الفتنة: ﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ﴾ [طه: 40]. ثم فترة الإعداد: ﴿ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 40]. قوله الله تعالى: ﴿صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل:88] - الكلم الطيب. لتكتمل الصورة: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [طه: 41]. صناعة على وَفْق مراد الله، لمهمةٍ عظيمة أرادها جل في علاه؛ ليقوم بها نبيُّه موسى عليه السلام. وكذا لو تأمَّلْنا في سورة يوسف؛ فمِحنة إرادةِ قتله، ثم مِحنة الجُبِّ، ثم مِحنة الرِّق، ثم مِحنة الفتنة في الشهوة، ثم مِحنة السِّجن، فكانت الخاتمة: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [يوسف: 54 - 56]. من الذي دبَّر؟ من الذي قدر؟ من الذي رعى؟ من الذي حفِظ؟ إنه الله الصانع سبحانه.