[١١] َّ التعريف بسورة الصافات سورة الصافات سورة مكيّة، لذا نزلت ترُدَّ على جُحود المشركين في إثبات البعث والحساب، وأنَّ الله واحدٌ لا شريك له، فجاءت مؤيدة بدلائل قدرة الله، [١٢] فإنها ترسِّخ حقيقة الوحدانية؛ وأنَّ الله وحده لا شريك له، ودحض عقيدة الأصنام، وأنَّ الله وحده المستحقُّ للعبادة، وأن لا يُشرك مع الله أحد، فهو المتصرِّف بأمور هذا الكون كلِّه سواءٌ في السماوات أو الأرض. [١٣] وتحدَّثت عن الحوارات التي تدور مع المتقين، كما في قوله -تعالى-: (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)، [١٤] وقوله -تعالى-: (إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ* يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ)، فهي هنا تتحدَّث عن فرحهم وسرورهم، و كيف أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- نجَّاهم من العذاب، وثبَّتهم حتى دخلوا الجنَّة، وذكرت فضائل الأنبياء -عليهم السلام- وصبرهم، منهم إبراهيم -عليه السلام- كيف هاجرإلى ربِّه وصبر على ابتلائه؛ فأصبح خليلٌ للرحمن بصبره وثباته وطاعته لله. [١٣] اسمها ومعناه وسبب تسميتها الاسم الذي اشتهرت به هذه السورة هو الصافات، وقد اتُّفق وأجمع عليه جميع المفسرين، وهو ما ورد في كُلِّ المصاحف وكتب التفاسير، وهذا الاسم عائدٌ لوصف الملائكة في الآيات الأولى من السورة: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا* فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا* فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا)، [١٥] مع أنَّ هذه الكلمة وردت في سورة الملك إلّا أنَّها كانت صِفةٌ للطيور.
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ} هرب، ابن عيسى: الآبِق: الفار إلى حيث لا يهتدي الطالب (١) ، فَشُبِّهَ يونس بالفارِّ من مولاه. وقيل: أبق: خرج (٢). وقيل: فَزِع (٣). وقيل: تباعد (٤). {إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠)} المملوء، وقيل: المُجَهَّز (٥). وكان يونس - عليه السلام - وعد قومه العذاب، فلما تأخر العذاب عنهم خرج كالمُتَشَوِّرِ منهم (٦) ، فقصد البحر وركب السفينة. وقيل: لما وعدهم بالعذاب خرج من بين أظهرهم كعادة الأنبياء إذا نزل بقومهم العذاب، وكان ذلك بغير أذن من الله، وقد سبق (٧). {فَسَاهَمَ} قارعهم مرة. وقيل: ثلاث مرات (٨). وقيل: سبعين مرة (٩). والمساهمة: إلقاء السِّهام على جهة القرعة. {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١)} أي: فوقع السَّهْم عليه، فكان من المقروعين المغلوبين بالحجة، تقول: دَحَضْتُ حجته فهي داحضة، وأدحضت زيداً إذا أدحضت حجته وغلبته. (١) انظر: النكت والعيون (٥/ ٦٦). (٢) حكاه السمرقندي في بحر العلوم (٣/ ١٢٣). (٣) انظر: زاد المسير (٧/ ٨٦). قراءة سورة الصافات كتابة As-Saaffaat - رقم 37. (٤) انظر القولين السابقين في زاد المسير (٧/ ٨٦). (٥) قاله الفراء في معاني القرآن (٢/ ٣٩٣). (٦) تَشَوَّرَ الرَّجُل: أي خَجِل، وشَوَّرْت الرَّجل إذا خَجَّلْته فخَجِل.
تصف في السماء كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة. وقيل: تصف أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد. وهذا كما تقوم العبيد بين أيدي ملوكهم صفوفا. وقال الحسن: صفا لصفوفهم عند ربهم في صلاتهم. وقيل: هي الطير ، دليله قوله تعالى: أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات والصف ترتيب الجمع على خط كالصف في الصلاة. والصافات جمع الجمع ، يقال: جماعة صافة ثم يجمع صافات. وقيل: الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفا في الصلاة أو في الجهاد ، ذكره القشيري.
انظر: لسان العرب (٧/ ٢٣٥)، مادة: شور. (٧) في قوله تعالى {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس: ٩٨]، وفي قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} الآية [الأنبياء: ٨٧]. (٨) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (٢/ ١٥٥) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه. (٩) لم أقف عليه، والله أعلم.