وتؤكدُ القصَّةُ على أنَّ الدعاء إذا صدرَ من إنسانٍ مؤمنٍ واثقٍ بالله تعالى سليم القلبِ لابدَّ وأن تتبعُه إجابةٌ من الله تعالى، فالعاقلُ من يلجأُ إلى الله تعالى لطلبِ الذريَّةِ وغيرها لأنَّه بيده كلُّ شيءٍ -تبارك وتعالى-، يقول تعالى مؤكِّدًا على إجابةِ الدعاءِ: "وقالَ ربُّكم ادعُونِي أستَجِب لَكُم" [٩]. وطلبُ الذريَّةِ الصالحة من سننِ المرسلينَ كما مرَّ أيضًا في هذه القصَّة وكما دلَّ على ذلك قول تعالى: "ولقَد أرسلنَا رُسلًا مِن قبلِكَ وجَعلنَا لهُم أزواجًا وذريَّةً" [١٠] [١١]. تفسير آية ولم أكن بدعائك ربي شقيا يقول المفسِّرون في تفسير هذه الآية: "لم أكن بدعائِكَ"، أي بدعائي إيَّاك، "ربِّ شقيًّا"، أي لم أشقَ أبدًا لأنَّكَ عوَّدتني على الإجابة دائمًا. وفي "معالمِ التفسير" للإمام البغوي يقولُ: معنى الآية أنَّكَ ربِّ عوَّدتني الإجابةَ فيما مضَى ولم ترُدَّها أبدًا، وقيلَ أيضًا: معناها أنَّكَ لمَّا دعوتَني إلى الإيمانِ آمنتُ ولم أشقَ بتركِ الإيمانِ، والله تعالى أعلَم [١٢]. المراجع [+] ↑ {آل عمران: الآية 37} ↑ الراوي: أبو هريرة، المحدث: ابن حبان، المصدر: صحيح ابن حبان، الصفحة أو الرقم: 5142، خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه ↑ {مريم: الآيات 4، 5، 6} ^ أ ب {مريم: الآية 37} ↑ {آل عمران: الآية38} ↑ {مريم: الآية 7} ↑ قصة زكريا عليه السلام, ، "، اطُّلع عليه بتاريخ 25-10-2018، بتصرف ↑ {آل عمران: الآية 41} ↑ {غافر: الآية 60} ↑ {الرعد: الآية 38} ↑ زكريا عليه السلام, ، "، اطُّلع عليه بتاريخ 25-10-2018، بتصرف ↑ تفسير"ولم أكن بدعائك رب شقيا", ، "، اطُّلع عليه بتاريخ 25-10-2018، بتصرف
وعندها أثارَ حالُ مريم -عليها السلام- حنينَه إلى الولد، ورغم تقدُّمه في السنِّ هو وزوجته لكنَّه كان واثقًا بقدرة الله تعالى، فرفعَ يديه إلى خالقهِ بخشوعِ قلبٍ وصدقِ لسانٍ وتوسَّلَ إليه -تعالى- بضعفِه وبرحمةِ الله تعالى واتِّساع عطائه، قال تعالى: "ربِّ هَب لي من لدُنكَ ذريَّةً طيِّبةً إنَّكَ سميعُ الدعاء" [٥] ، وأكرمَه الله بإجابةِ دعوته، فأرسلَ إليه الملائكةَ ليبشِّروه، قال تعالى: "يا زكريَّا إنَّا نُبشِّرُك بغلامٍ اسمه يحيى لم نجعلْ لهُ من قبلُ سميًّا" [٦] ، وبذلكَ منَّ الله تعالى على زكريا -عليه السلام- بولدٍ اسمهُ يحيى بعد أن ظنَّ أنّه لن يرزقَ بولدٍ أبدًا [٧]. مضامين قصة زكريا عليه السلام تقررُ قصة زكريا -عليه السلام- قضيَّةً عامَّةً بين البشر، خلاصتُها أنَّ الله -سبحانه وتعالى- مطلقُ القدرةِ يفعل ما يشاءُ كيفَ ما يشاءُ وقتَ ما يشاءُ، قال تعالى: "إنَّ الله يرزقُ من يشاءُ بغيرِ حسابٍ" [٤] ، لا تقيِّدُه الأسباب والمسبِّبات لأنَّه هو خالق الأسباب والمسبِّبات يصرِّفُها كيفَ يشاء -سبحانه وتعالى-، وتحضُّ السورةُ على ذكر الله تعالى في السرِّ والعلنِ لتطهير النفوس من الذنوبِ ولأنَّ القلوبَ تطمئنُّ بذكر الله، قال تعالى: "واذكُر ربَّكَ كثيرًا وسبِّح بالعشيِّ والإبكار" [٨].
اطمأنت نفس زكريا ولكنه كان يريد أن يبرهن للناس علي ان الله تعالي سوف يرزقه ولداً، فسأل ماذا يقول للناس وما هي العلامة التي يعطيها إليهم، فجاءه الجواب من السماء: آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً فتبقي في المحراب تصلي وتعبد الله وتشكره وتسبحه لمدة ثلاثة ايام متواصلة، وهكذا بعد أن قضي زكريا عليه السلام الايام الثلاثة في محرابه، خرج الي قومه يخبرهم بما أوحي الله تعالي له ويبشرهم بالمعجزة ويدعوهم إلي عبادة الله.
نبذة: عبد صالح تقي أخذ يدعو للدين الحنيف، كفل مريم العذراء، دعا الله أن يرزقه ذرية صالحة فوهب له يحيى الذي خلفه في الدعوة لعبادة الله الواحد القهار. سيرته: امرأة عمران: في ذلك العصر القديم.. كان هناك نبي.. وعالم عظيم يصلي بالناس.. كان اسم النبي زكريا عليه السلام.. أما العالم العظيم الذي اختاره الله للصلاة بالناس، فكان اسمه عمران عليه السلام. وكان لعمران زوجته لا تلد.. وذات يوم رأت طائرا يطعم ابنه الطفل في فمه ويسقيه.. ويأخذه تحت جناحه خوفا عليه من البرد.. وذكرها هذا المشهد بنفسها فتمنت على الله أن تلد.. ورفعت يديها وراحت تدعو خالقها أن يرزقها بطفل.. واستجابت لها رحمة الله فأحست ذات يوم أنها حامل.. وملأها الفرح والشكر لله فنذرت ما في بطنها محررا لله.. كان معنى هذا أنها نذرت لله أن يكون ابنها خادما للمسجد طوال حياته.. يتفرغ لعبادة الله وخدمة بيته. ولادة مريم: وجاء يوم الوضع ووضعت زوجة عمران بنتا، وفوجئت الأم! كانت تريد ولدا ليكون في خدمة المسجد والعبادة، فلما جاء المولود أنثى قررت الأم أن تفي بنذرها لله برغم أن الذكر ليس كالأنثى. سمع الله سبحانه وتعالى دعاء زوجة عمران، والله يسمع ما نقوله، وما نهمس به لأنفسنا، وما نتمنى أن نقوله ولا نفعله.. يسمع الله هذا كله ويعرفه.. سمع الله زوجة عمران وهي تخبره أنها قد وضعت بنتا، والله أعلم بما وضعت، الله.. هو وحده الذي يختار نوع المولود فيخلقه ذكرا أو يخلقه أنثى.. سمع الله زوجة عمران تسأله أن يحفظ هذه الفتاة التي سمتها مريم، وأن يحفظ ذريتها من الشيطان الرجيم.
ولهذا قال: (وكفلها زكريا) وفي قراءة: (وكفلها زكريا) بتشديد الفاء ونصب زكريا على المفعولية، أي جعله كافلا لها. قال ابن إسحاق: وما ذاك إلا أنها كانت يتيمة. وذكر غيره أن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب، فكفل زكريا مريم لذلك. ولا منافاة بين القولين. والله أعلم. وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها، لتقتبس منه علما جما نافعا ، وعملا صالحا؛ ولأنه كان زوج خالتها، على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما. وقيل: زوج أختها. " التفسير: (2/ 35). وقال ابن عاشور: " ولما ولدت مريم كان أبوها قد مات ، فتنازع كفالتها جماعة من أحبار بني إسرائيل ، حرصا على كفالة بنت حبرهم الكبير، واقترعوا على ذلك، فطارت القرعة لزكرياء، والظاهر أنَّ جعل كفالتها للأحبار لأنها محررة لخدمة المسجد فيلزم أن تربى تربية صالحة لذلك "، التحرير والتنوير: (3/ 235). والخلاصة روي أن زكريا عليه السلام من أبناء عمومة مريم، وقد كان زوج أختها أو خالتها، وقد كان كافلًا لها، بمعنى: أن كان يقوم بحاجاتها، ويرعاها رعاية تامة. والله أعلم
سبحانك ربي!! ما أسرع ما تستجيب لعبادك الصالحين عندما يحتاجون لعاجل رحمتك وجميل فرجك! ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 7]، إنها بِشارة وأيَّة بشارة؟! يسأل الله فيأتيه الجواب الشافي والرد المبهج، ألا ينبغي أن تكون بشارة رائعة تعلو بالنفس إلى قمة بهجتها وسمو تطلعها، يا لزكريا من عبد محبوب! نعم بالرضا والقبول من ربه، يهبه الولد كما طلب، وزاد تمييزه باسم فريد لم يسمَّ به أحد من قبل؛ فالله العالم بالأسماء من حين أن خلق الخلق اختار له اسمًا فريدًا يعرف به هو، ولا يشاركه أحد فيه، فإذا قيل: يحيى، فهو يحيى بن زكريا لا سواه، عَلَم متميز لا لبس فيه مع سمي آخر. ﴿ قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 8]، عاد مِن صدمة البشارة التي تلقاها وما رافق ذلك من فرح في النفس وبهجة عارمة ليسأل سؤال مستعلم مستوضح - وهو يعلم أن الله لا يُعجِزه شيء - لأن في هذه البشارة معجزة وخرقًا للعادة والقانون الذي وضعه الله في الأرض، فهناك وفق القانون الدنيوي عقبتان أمام إنجاز البشارة: امرأة عاقر، وبلوغ سن كبيرة، قد يتعذر عليه ممارسة الجنس مع زوجه، أو في تولد الحيوانات المنوية في هذه المرحلة العمرية المتقدمة جدًّا، ولكن الله الذي بشر بيحيى بيده مقاليد الأمور، إذا قال للشيء: كن، فيكون.