ويشهد التبليغ عن الفساد في البلاد، من الجانب التطبيقي، صعوبات جمة، يواجهها العشرات من الأشخاص، الذين انخرطوا في حملة مكافحة الفساد والكشف عن مختلف الجرائم الاقتصادية والمالية، إذ ارتفعت الأصوات في المدة الأخيرة، بإيجاد أمر رئاسي خاص بحماية المبلغين عن قضايا الفساد بغية حمايتهم من العقوبات أو الثأر عن التبليغ، في ظل استمرار التوقيفات التعسفية التي تطال العديد من إطارات الدولة، الذين جنحوا إلى التبليغ لدعم جهود الدولة في المضي قدماً لتطهير الإدارة من الفساد ورموزه. في هذا السياق، يؤكد نور الدين تونسي رئيس تنسيقية المبلغين عن الفساد وهي جمعية وطنية غير معتمدة، بصفته رئيسا سابقا للدائرة التجارية لميناء وهران ومطرود عن العمل منذ 50 شهرا، بسبب تقديمه تبليغات عن قضايا فساد بالجملة، كانت سببا مباشرا في الإطاحة بعدد من المتورطين في الفساد بينهم رجل الأعمال الموقوف علي حداد، وقضية تبديد 29 مليون دولار في ذات الميناء، أنه بات من الضروري، إيجاد ضوابط قانونية صارمة لحماية هذه الفئة، التي تحولت بمرور الوقت من مبلغ إلى متهم، وأن العديد منهم تعرضوا إلى طرد تعسفي وصاروا يواجهون صعوبات الحصول على لقمة العيش.
لافتات استعراضية إلى ذلك، رأى الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية، حكيم مسعودي، أن قضية حماية المبلغ عن الفساد تحتاج أولاً إلى إرادة سياسية حقيقية قبل الحديث عن الجوانب التقنية، وإلى طرح إشكالية ما إذا كانت السلطة التنفيذية لديها فعلاً استعداد للخضوع لمختلف أشكال الرقابة الحقيقية الفاعلة وإلى أي حد، و"هذا يجرنا إلى الحديث عن المنظومة الرقابية بأكملها وقضية الفصل بين السلطات التي تعطي المصداقية للمؤسسات والقرارات والأحكام الصادرة عنها"، وقال، إن القضية ليست تقنية بقدر ما هي سياسية. ولفت مسعودي إلى أنه مع الاعتقالات التي تطال كل الأصوات المعارضة التي تؤدي نوعاً من "الرقابة السياسية" بما يكفله الدستور من الحريات ولو خارج الإطار المؤسساتي، يتعزز الانطباع بأن الأمر قد لا يتعدى كونه لافتات استعراضية، لأن منطلق أي إصلاح من هذا النوع هو الإرادة السياسية. أخلقة الحياة العمومية وبحسب وزير العدل، عبد الرشيد طبي، فإن المشروع يندرج في إطار الإصلاح المؤسساتي في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته، كما يهدف إلى جعل آلياته أكثر فعالية ونجاعة بتكريس مبدئي الشفافية والنزاهة كقاعدتين لأخلقة الحياة العمومية، وتوفير مناخ نزيه مساعد على تسيير الأعمال والشؤون العمومية، وتوجيه الإدارات والهيئات العمومية والمؤسسات الاقتصادية والموظفين إلى تكريس قواعد الشفافية وقيم النزاهة في العمل.
من أسوأ ما يمكن أن ينخر في الكيان العام من أضرار الفساد الذي يرتكبه الذين لا يخافون الله ولا يخشون عقاباً. ومما يخشاه المبلغون عن الفساد الضرر الذي قد يلحق بهم من إساءة لمستقبلهم، لذا فقد أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتوفير الحماية الكافية لكل موظف يتقدم ببلاغ ضد ممارسات الفساد المالي والإداري بما يضمن عدم التعرض للمبلِّغ وظيفياً أو المساس بميزاته أو حقوقه، موجهاً الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، «نزاهة»، بالرفع عن أي جهة تقوم باتخاذ إجراءات تأديبية بحق أي موظف أو المساس بأي حق من حقوقه أو ميزاته الوظيفية، بسبب تقديمه بلاغاً للجهات المختصة عن ممارسات فساد فيها، إلى حين الانتهاء من نظام حماية الشهود والضحايا وسريانه. هذا وقد أوضح رئيس «نزاهة» الدكتور خالد بن عبدالمحسن المحيسن، أن صدور هذا الأمر يؤكد اهتمام وحرص خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين على مكافحة الفساد، وحماية مصالح المواطنين والمقيمين الذين يقومون بواجبهم بالإبلاغ عن حالات الفساد، وضمان عدم تضررهم جراء تقديمهم البلاغات. وأكد المحيسن أن القيادة الرشيدة ماضية بعزم وحزم في مكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله وعدم التسامح مع الفاسدين، وتوفير ما يلزم لحماية المبلغين عن ممارسات الفساد وحفظ حقوقهم، انسجاماً مع رؤية المملكة 2030، التي جعلت «الشفافية» و«النزاهة» و«مكافحة الفساد» من مرتكزاتها الرئيسة.
ويمكننا القول في تعريف هذا المصطلح: عبارة عن فرد أو مجموعة من الأفراد، أو جمعيات أو صحف أو منظمات مجتمع مدني غير منحازة تقوم بوظيفة الضمير المجتمعي حين وقوع الفساد من أي شخص أو مؤسسة بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الطائفي أو نحوها من الانتماءات، أو هو بتعبير آخر: حرص الموظف على المنشأة التي يعمل فيها وسعيه الدؤوب في الحفاظ على مكتسباتها القيمية، وارتباطه العميق بمنظومتها الأخلاقية، وإيمانه العميق بأهدافها السامية، الأمر الذي يدفعه لمناهضة الفساد بدافع الضمير.