وقال محمد رشيد رضا في «المنار»، الكلام موجه إلى بني إسرائيل وقد ذكّرهم الله بنعمته، وأمرهم بالوفاء بعهده، وأن يرهبوه ويتقوه وحده، وأن يؤمنوا بالقرآن، ونهاهم أن يكونوا أول كافر به، وأن يشتروا بآياته ثمنا قليلا، وأن يلبسوا الحق بالباطل ويكتموه عمدا. وكانت اليهود في عهد بعثته عليه الصلاة والسلام قد وصلوا في البعد عن جوهر الدين إلى هذا الحد، يتلون الكتاب تلاوة يفهمون بها معاني الألفاظ، ويجلون أوراقه وجلده، ولكنهم ما كانوا يتلونه حق تلاوته، وما كانوا يبينون من الحق إلا ما يوافق أهواءهم وتقاليدهم، ولا يعملون بما فيه من الأحكام، إلا إذا لم يعارض حظوظهم وشهواتهم. ووبخ الله هؤلاء القوم على أنهم كانوا يأمرون الناس بالبر كالأخذ بالحق ومعرفته لأهله، وعمل الخير والوعد عليه بالسعادة مع الغفلة عن أنفسهم وعدم تذكيرها بذلك، وما أجمل التعبير عن هذه الحالة بنسيان الأنفس، فإن من شأن الإنسان ألا ينسى نفسه من الخير ولا يحب أن يسبقه أحد إلى السعادة، ألا يوجد فيكم عقل يحبسكم عن هذا السفه؟. بيان قوله تعالى(اتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)للشيخ أبي عمر طقاطق - YouTube. جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2022©
ودواء هذا النسيان هو محاسبة النفس فيكون البر راجعاً إلى جميع ما تضمنته الأوامر السابقة من التفاصيل فهم قد أمروا غيرهم بتفاصيلها ونسوا أنفسهم عند سماعها وذلك يشمل التصديق بدين الإسلام لأنه من جملة ما تضمنته التوراة التي كانوا يأمرون الناس بما فيها. خطبة الجمعة القادمة 18 فبراير 2022م "الإسراء والمعراج وآيات الله الكبرى" ، للشيخ طه ممدوح - صوت الدعاة - أفضل موقع عربي في خطبة الجمعة والأخبار المهمة. وجملة: { وتنسون أنفسكم} يجوز أن تكون حالاً من ضمير { تأمرون} أو يكون محل التوبيخ والتعجب هو أمر الناس بالبر بقيد كونه في حال نسيان ، ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على { تأمرون} وتكون هي المقصودة من التوبيخ والتعجيب ويجعل قوله: { أتأمرون الناس} تمهيداً لها على معنى أن محل الفظاعة الموجبة للنهي هي مجموع الأمرين. وبهذا تعلم أنه لا يتوهم قصد النهي عن مضمون كلا الجملتين إذ القصد هو التوبيخ على اتصاف بحالة فظيعة ليست من شيم الناصحين لا قصد تحريم فلا تقع في حيرة من تحير في وجه النهي عن ذلك ولا في وهم من وهم فقال: إن الآية دالة على أن العاصي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر كما نقل عنهم الفخر في «التفسير» فإنه ليس المقصود نهي ولا تحريم وإنما المقصود تفظيع الحالة ويدل لذلك أنه قال في تذييلها { أفلا تعقلون} ولم يقل أفلا تتقون أو نحوه. والأنفس جمع نفس بسكون الفاء وهي مجموع ذات الإنسان من الهيكل والروح كما هنا وباعتبار هذا التركيب الذي في الذات اتسع إطلاق النفس في كلام العرب تارة على جميع الذات كما في التوكيد نحو جاء فلان نفسه وقوله: { النفس بالنفس} [ المائدة: 45] وقوله: { تقتلون أنفسكم} [ البقرة: 85] وتارة على البعض كقول القائل أنكرت نفسي وقوله: { وتنسون أنفسكم} وعلى الإحساس الباطني كقوله: { تعلم ما في نفسي} [ المائدة: 116] أي ضميري.
هذا كلام الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي. الصبر وأنواعه الجهاد مراحله وأنواعه وجهاد النفس أربع مراتب: العلم، والعمل، والدعوة، والصبر على أذى الناس، وجهاد الشيطان، وجهاد الشهوات التي يزينها الشيطان لك، ثم بعد ذلك جهاد الشبهات التي يلقيها عليك الشيطان، وجهاد الشهوات يكون بالصبر، أما جهاد الشبهات فيكون باليقين في آيات الله عز وجل، ثم بعد ذلك جهاد المبتدعة باللسان، ثم بعد ذلك جهاد المنافقين باللسان: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73]، فأي زنديق يطعن في دين الله عز وجل، أو يتكلم في دين الله عز وجل، أو يطعن في الصلاة التي هي أساس دين الله عز وجل فعليك أن تجاهده، وتبين عواره للناس. ثم جهاد الكفار، ويكون بالسيف واللسان كذلك، وقد مر الجهاد بمراحل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمرحلة الأولى: هي مرحلة الكف، وفيها لم يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال أي رجل من الكافرين في مكة، ثم بعد هذا جاء الإذن بقتال من قاتله، قال تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [الحج:39]، ثم بعد هذا جاء الأمر بوجوب قتال من قاتلك، وأما من سالمك من الكفار فلا تقاتله، ثم أتت المرحلة الرابعة: وهي مرحلة السيف، فابدأ بالقتال لكل الناس حتى يسلموا لله عز وجل، أو يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
وبعـــدُ: العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة إنَّ رحلةَ الإسراءِ والمعراجِ معجزةٌ كُبرى دالةٌ على مدى القدرةِ المطلقةِ للهِ تعالى، فهو سبحانَهُ خالقُ الأسبابِ والمسبباتِ، وما كان عجيبًا في دنيا الناسِ فليس عجيبًا عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(سورة يس: 82). وقد أيّدَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهذه الرحلةِ المباركةِ حبيبَهُ المصطفَى صلَّي اللهُ عليه وسلم، حيثُ ارتقَى بهِ مِن عالمِ الأرضِ إلى عالمِ السماءِ، وأوصلَهُ إلى سدرةِ المُنتهى؛ ليريَهُ مِن آياتِهِ الكُبرى وعجائبِ قدرتِهِ العُظمى، وهذه الآياتُ الكُبرى منها ما علمنَاهُ، ومنها ما لم نعلمْهُ، حيث أسرَى سبحانَهُ وتعالى بنبيِّهِ مِن المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى، ثم عرجَ بهِ إلى السماواتِ العُلا، ومنها إلى المسجدِ الأقصًى فالمسجدِ الحرامِ مرةً أخرى، في ليلةٍ واحدةٍ، إنَّها القدرةُ الإلهيةُ المطلقةُ لا شيءَ سواهَا.
وتطلق على الروح الذي به الإدراك { إن النفس لأمارة بالسوء} [ يوسف: 53] وسيأتي لهذا زيادة إيضاح عند قوله تعالى: { يوم تأتي كل نفس} في سورة النحل ( 111). وقوله: وأنتم تتلون الكتاب} جملة حالية قيد بها التوبيخ والتعجيب لأن نسيان أنفسهم يكون أغرب وأفظع إذا كان معهم أمران يقلعانه ، وهما أمر الناس بالبر ، فإن شأن الأمر بالبر أن يذكر الآمر حاجة نفسه إليه إذا قدر أنه في غفلة عن نفسه ، وتلاوة الكتاب أي التوراة يمرون فيها على الأوامر والنواهي من شأنه أن تذكرهم مخالفة حالهم لما يتلونه. وقوله: { أفلا تعقلون} استفهام عن انتفاء تعقلهم استفهاماً مستعملاً في الإنكار والتوبيخ نزلوا منزلة من انتفى تعقله فأُنكر عليهم ذلك ، ووجه المشابهة بين حالهم وحال من لا يعقلون أن من يستمر به التغفل عن نفسه وإهمال التفكر في صلاحها مع مصاحبة شيئين يذكرانه ، قارب أن يكون منفياً عنه التعقل. وفعل { تعقلون} منزل منزلة اللازم أو هو لازم. وفي هذا نداء على كمال غفلتهم واضطراب حالهم. وكون هذا أمراً قبيحاً فظيعاً من أحوال البشر مما لا يشك فيه عاقل.
كما: 848- حدثنا به محمد بن العلاء, قال: حدثنا عثمان بن سعيد, قال: حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق عن الضحاك, عن ابن عباس: (أفلا تعقلون) يقول: أفلا تفهمون؟ فنهاهم عن هذا الخلق القبيح. (103) قال أبو جعفر: وهذا يدل على صحة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم, وأنهم كانوا يقولون: هو مبعوث إلى غيرنا! كما ذكرنا قبل. (104)
قال سبحانه: { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة:44) وردت هذه الآية في سياق تذكير بني إسرائيل بنعم الله عليهم، وبيان ما كان من أمرهم؛ والغرض من الآية - والله أعلم - بيان حال اليهود، ومن كان على شاكلتهم، وسار على سَنَنِهم، على كمال خسارهم، ومبلغ سوء حالهم، الذي وصلوا إليه؛ إذ صاروا يقومون بالوعظ والتعليم، كما يقوم الصانع بصناعته، والتاجر بتجارته، والعامل بعمله، لا يقصدون إلا إيفاء وظائفهم الدينية حقها، ليستحقوا بذلك ما يُعَوَّضون عليه من مراتب ورواتب؛ فهم لا ينظرون إلى حال أنفسهم تجاه تلك الأوامر التي يأمرون بها الناس. والمراد بـ { الناس} في الآية، العامة من أمة اليهود؛ والمعنى: كيف تأمرون أتباعكم وعامتكم بالبر وتنسون أنفسكم؟ ففيه تنديد بحال أحبارهم، أو تعريض بأنهم يعلمون أن ما جاء به رسول الإسلام هو الحق، فهم يأمرون أتباعهم بالمواعظ، ولا يطلبون نجاة أنفسهم. قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية: أتنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة، والعهدة من التوراة، وتتركون أنفسكم، وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي.