(14) * * * وقوله: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرًا) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذبا لهم في خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون، ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) يقول: بل زيَّنت لكم أنفسكم أمرًا في يوسف وحسنته، ففعلتموه كما:- 18866- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: قال (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) ، قال: يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا. * * * وقوله: (فصبر جميل) يقول: فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبرٌ جميل ، أو فهو صبر جميل. * * * وقوله (والله المستعان على ما تصفون) يقول: واللهَ أستعين على كفايتي شرّ ما تصفون من الكذب (15). * * * وقيل ": إن الصبر الجميل " ، هو الصبر الذي لا جزع فيه. *ذكر من قال ذلك: 18867- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: (فصبر جميل) قال: ليس فيه جزع. 18868- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله. 18869- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله. 18870- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم ، قال: حدثنا سفيان ، عن مجاهد: (فصبر جميل) في غير جزع.
شاهد أيضًا: تفسير سورة العلق في القرآن الكريم الدروس المستفادة من قول سيدنا يعقوب فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون هناك العديد من الدروس التي تقدمها لنا الآية الكريمة لقول سيدنا يعقوب، ومن هذه الدروس: نرى كيف تعامل نبي الله يعقوب مع أبنائه، فبرغم فقدانه لأبنه يوسف، إلا أنه تعامل معهم بحكمة ولين. فلم يفقد السيطرة على نفسه رغم المصيبة التي أصابته. ولم يهجر أولاده بالرغم من أنهم السبب في فقدان يوسف. وجدنا خلقه ورضاه بقضاء الله له، وكيف كان متمسكًا بالصبر الجميل، وخاطبه لأبنائه عن الرضا بقضاء الله، عندما فقد يوسف. والتحسس من إخوة يوسف عندما فقد ابنه الثاني عندما خاطبهم قائلًا (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ). نرى رده للمرة الثانية عندما فقد ابنه الثاني وأنه سجن، كيف تعامل بالصبر الجميل عندما قال لأبنائه: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) مصيبة ثانية يتعامل فيها نبي الله يعقوب بالصبر والرضا واليقين بالله أنه سيرجع له يوسف وأخيه.
وقال عبد الرزاق: قال الثوري عن بعض أصحابه أنه قال: ثلاث من الصبر: ألا تحدث بوجعك ، ولا بمصيبتك ، ولا تزكي نفسك. وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة ، رضي الله عنها ، في الإفك حتى ذكر قولها: والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف ، ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).
فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا يعقوب، أتشكوني؟ قال: يا رب خطيئة أخطأتها ، فاغفرها لي. * * * وقوله: (والله المستعان على ما تصفون). (18) 18879- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: (والله المستعان على ما تصفون) أي على ما تكذبون. * * * ---------------------- الهوامش: (10) " السخلة". ولد الشاة من المعز والضأن ، ذكرًا كان أو أنثى. (11) الأثر: 18843 - " أحمد بن عبد الصمد بن علي بن عيسى الأنصاري الزرقي" ، " أبو أيوب" ، شيخ الطبري ، مشهور لا بأس به. مترجم في تاريخ بغداد 4: 270 ، ولسان الميزان 1: 214 ، وروى عنه الطبري في تاريخه 5: 22 ، في موضع واحد. وانظر ما سيأتي رقم: 18855. (12) الأثر 18855 - " أحمد بن عبد الصمد الأنصاري" ، انظر ما سلف رقم: 18843.
4. صبر محمد عليه الصلاة والسلام: ومن الأمثلة التي يجب أن نقتدي بها في التحمل والصبر، هو نبينا الكريم محمد عليه صلاة والسلام، الذي قاس وصبر على مجموعة من المحن والإبتلائات، من بينهم فقدان أحب الناس إليه، زوجته خديجة رضي الله عنها، وحزن النبي الكريم عليه أزكى الصلاة والسلام على فقدانها ولم ينساها أبدا، بل مر وقت طويل على فقدانها، وتزوج عائشة النبي عليه الصلاة والسلام، وقالت له رضي الله عنها: "ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، قد أبدلك الله خيرًا منها". قال عليه الصلاة والسلام: "والله ما أبدلني الله خيرا منها، والله ما أبدلني الله خيرا منها، قد آمنت إذ كفر بي الناس، وصدقتني وكذبني الناس، وواستني من مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل الأولاد منها إذا حرمني أولاد من سواها". وقد تخلى عنه قومه، بل سبوه وقاموا بأذيته عليه الصلاة والسلام، وقد قام بدعوة الطائف فردوه بأقبح الردود، ورموه بالحجارة، حتى نزفت قدميه عليه الصلاة والسلام، وصبر فالتجأ إلى الله عز وجل ودخل بستانا، ودعى ربه: "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أنت تنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله".