رحمة الله عليه.
فكما أروى الله الصحراء بماء نهر النيل فكذلك أروى قلوبهم ببحارٍ من فيوضاتِهِ، فحوَّلهم بالتربيةِ الوجدانية إلى بحارٍ بعد ما كانوا قطرات، وشموسٍ بعد ما كانوا ذرّات، ووهبَهم سعة تستوعبُ كلَّ الكائنات بعد ما كانوا لا شيء.
وكان لي شرف الاضطلاع بأولى هذه الدروس بالزيتونة والمدرسة الخلدونية، وأمددت الطلبة بأولى الكتب … حضر دروسي طلبة من تونس ومن الجزائر … وحتى من المغرب الأقصى فكانت اللبنة الأولى لبناء الوحدة الثقافية للمغرب العربي الكبير". محمد السويسي مؤرخ العلوم درّس السويسي خلال الفترة الممتدة من 1969 إلى 1985 مادة الحضارة الإسلاميّة والثقافة العلمية العربية بكليتي الآداب والعلوم الإنسانيّة بجامعة تونس، أحيل بعدها على التقاعد في عام 1985 بأقدميّة مدتها 46 سنة. وقد اهتم في نشاطه العلمي بتاريخ العلوم، واختص في تاريخ الرياضيات عند العرب والمسلمين مركزا على إسهامات المغرب العربي الكبير في هذا الحقل. كما أن له باعا طويلا في وضع المعاجم الموحّدة لمصطلحات العلوم الدقيقة. ولا غرابة في ذلك إذ كان عنوان الرسالة التي نال درجة الدكتوراه هو لغة الرياضيات في العربية (La langue des mathématiques en arabe). وتضم هذه الأطروحة دراسة وافية في علم المصطلح ومعجم يشمل 1942 مصطلحا. الزوايا والتكايا في أواخر عهد الدولة العثمانية؟ – موقع الأستاذ فتح الله كولن. كان لمحمد السويسي باع طويل في التأليف. ومن كتبه المؤلفة في هذا السياق: كتاب أصول الجبر – المؤلف عام 1947 – لتغطية مناهج التعليم الثانوي، الذي أدرج تدريسه ضمن برامج جامع الزيتونة.
أما في العهود التي عجزت عن أداء دورها ووظائفها فقد أصبحت هذه المدارس وبالا على أمَّتِها ودولتها وحكّامها كباقي أنواع البلاء. المدارس الدينيّة هي التي تُعَلِّمُ العلوم الطبيعية والشرعية، وقد قامت بأداء مهمَّتها في العهود التي اهتمّت بترقية العقل وتهذيب القلب والوجدان.