عندما حملت مريم البتول بنبي الله عيسى عليه السلام، جاءها المخاض إلى جذع النخلة فولدته ثم جاءت به قومها فأخذوا يتهمونها ويقذفونها، فكانت تشير إلى هذا المولود، فإذا به يكلمهم بأنه مرسل وأن الله جعله مباركاً أينما كان. تفسير قوله تعالى: (فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً... ) قال تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا [مريم:22]. تفسير وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا – المنصة. أي: شعرت مريم بالوحم وبتغير الحالة، وإذا بها تنتقل من غم وهم إلى غم وهم أكثر، إذ أخذت تتساءل: أنا منفردة في المعبد ولا أحد فيه إلا يوسف ، فماذا سيقول الناس عندما يبلغهم الحمل؟ لعلهم سيقذفونها ويعيرونها ويرتابون في دينها، وهذا الذي خافت منه وقع، فأول من ارتاب وشك خادم المعبد يوسف النجار ، فقال لها يوماً: يا مريم! هل تنبت شجرة بلا حب، ويكون ولد بلا أب؟ قالت: نعم، قد كان آدم بلا أب ولا أم، وكانت حواء بأب فقط، والله قادر على كل شيء، فسكت، وأدرك أنها فهمت عنه، ولم يزدها تصريحاً بما يشكك في دينها. فقوله تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا [مريم:22] أي: ابتعدت وزادت خلوة في مكان بعيد، قالوا: إنه بيت لحم، وهناك روايات في السنة النبوية ليست بثابتة ولكن ذلك وافق ما في الكتابين التوراة والإنجيل: أن ذلك قد كان في بيت لحم.
المسألة الثانية: نستدل من خلال الآية أن الرزق وإن كان محتوماً، فإن الله تعالى قد وكّل ابن آدم إلى السعي للحصول على رزقه، لأنه أمر مريم بهز النخلة لترى آية، وكانت الآية تكون بألا تهز.
الآية الرابعة: قوله تعالى: { هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا}. وهزي إليك بجذع النخلة. فيها ثلاث مسائل: المسألة الأولى: قوله: { هزي إليك بجذع النخلة} أمر بتكلف الكسب في الرزق ، وقد كانت قبل ذلك يأتيها رزقها من غير تكسب ، كما قال تعالى: { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}. قال علماؤنا: كان قلبها فارغا لله ، ففرغ الله جارحتها عن النصب ، فلما ولدت عيسى ، وتعلق قلبها بحبه ، وكلها الله إلى كسبها ، وردها إلى العادة في التعلق بالأسباب ، وفي معناه أنشدوا: ألم تر أن الله قال لمريم إليك فهزي الجذع يساقط الرطب ولو شاء أحنى الجذع من غير هزها إليها ولكن كل شيء له سبب وقد كان حب الله أولى برزقها كما كان حب الخلق أدعى إلى النصب المسألة الثانية: في صفة الجذع قولان: أحدهما: أنه كان لنخلة خضراء ، ولكنه كان زمان الشتاء ، فصار وجود التمر في غير إبانه آية. [ ص: 250] الثاني: أنه كان جذعا يابسا فهزته ، فاخضر وأورق وأثمر في لحظة. ودخلت بيت لحم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، فرأيت في متعبدهم غارا عليه جذع يابس كان رهبانهم يذكرون أنه جذع مريم بإجماع ، فلما كان في المحرم سنة اثنتين وتسعين دخلت بيت لحم قبل استيلاء الروم عليه لستة أشهر ، فرأيت الغار في المتعبد خاليا من الجذع.
تفسير وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا – تفسير ابن كثير سنقدم لكم تفسير الآية الخامسة والعشرون من سورة مريم، قال تعالى: "وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا"، حسب تفسير ابن كثير وهي تُفسر كما يلي: "وهزي إليك بجذع النخلة" وتعني: وخذي إليك بجذع النخلة، قيل: كانت يابسة، قاله ابن عباس، وقيل: مثمرة، قال مجاهد: كانت عجوة، وقال الثوري، عن أبي داود نفيع الأعمى: كانت صرفانة، والظاهر أنها كانت شجرة، ولكن لم تكن في إبان ثمرها، قاله وهب بن منبه، ولهذا امتن عليها بذلك، أن جعل عندها طعاماً وشراباً، فقال: "تساقط عليك رطبا جنيا".