وهذا تقدير شائع كقول ورقة بن نوفل: ( هذا هو الناموس الذي أنزل على عيسى). والمراد: المماثلة في أصول الدين مما يجب لله تعالى من الصفات ، وفي أصول الشريعة من كليات التشريع ، وأعظمها توحيد الله ، ثم ما بعده من الكليات الخمس الضروريات ، ثم الحاجيات التي لا يستقيم نظام البشر بدونها ، فإن كل ما اشتملت عليه الأديان المذكورة من هذا النوع قد أودع مثله في دين الإسلام. فالأديان السابقة كانت تأمر بالتوحيد ، والإيمان بالبعث والحياة الآخرة ، وتقوى الله بامتثال أمره واجتناب منهيه على العموم ، وبمكارم الأخلاق بحسب المعروف ، قال تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الشورى - قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا - الجزء رقم26. وتختلف في تفاصيل ذلك وتفاريعه. ودين الإسلام لم يخل عن تلك الأصول وإن خالفها في التفاريع تضييقا وتوسيعا ، وامتازت هذه الشريعة بتعليل الأحكام ، وسد الذرائع ، والأمر بالنظر في الأدلة ، وبرفع الحرج ، وبالسماحة ، وبشدة الاتصال بالفطرة ، وقد بينت ذلك في كتابي مقاصد الشريعة الإسلامية. أو المراد المماثلة فيما وقع عقبه بقوله: أن أقيموا الدين إلخ بناء على أن [ ص: 51] تكون ( أن) تفسيرية ، أي شرع لكم وجوب إقامة الدين الموحى به وعدم التفرق فيه كما سيأتي.
وقوله: ( الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) يقول: الله يصطفي إليه من يشاء من خلقه ، ويختار لنفسه ، وولايته من أحب. حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله: ( الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) يقول: ويوفق للعمل بطاعته ، واتباع ما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحق من أقبل إلى طاعته ، وراجع التوبة من معاصيه. كما حدثنا محمد قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط ، عن السدي ( ويهدي إليه من ينيب): من يقبل إلى طاعة الله.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ﴾ الآياتِ. معنى إقامة الدين في القرآن – الإسلام كما أنزل. أخْرَجَ الفِرْيابِيُّ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾: قالَ: وصّاكَ (p-١٣٦)يا مُحَمَّدُ وأنْبِياءَهُ كُلَّهم دِينًا واحِدًا. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا﴾ قالَ: الحَلالَ والحَرامَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ قالَ: بُعِثَ نُوحٌ حِينَ بُعِثَ بِالشَّرِيعَةِ بِتَحْلِيلِ الحَلالِ وتَحْرِيمِ الحَرامِ.
الشيخ الفاتح عثمان الزبير | شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ - YouTube
المسألة الثانية: هذه الآية تدل على أن هذه الشرائع قسمان: منها ما يمتنع دخول النسخ والتغيير فيه ، بل يكون واجب البقاء في جميع الشرائع والأديان ، كالقول بحسن الصدق والعدل والإحسان ، والقول بقبح الكذب والظلم والإيذاء. ومنها ما يختلف باختلاف الشرائع والأديان ، ودلت هذه الآية على أن سعي الشرع في تقرير النوع الأول أقوى من سعيه في تقرير النوع الثاني ؛ لأن المواظبة على القسم الأول مهمة في اكتساب الأحوال المفيدة لحصول السعادة في الدار الآخرة. شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا. المسألة الثالثة: قوله تعالى: ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) مشعر بأن حصول الموافقة أمر مطلوب في الشرع والعقل ، وبيان منفعته من وجوه: الأول: أن للنفوس تأثيرات ، وإذا تطابقت النفوس وتوافقت على واحد قوي التأثير. الثاني: أنها إذا توافقت صار كل واحد منها معينا للآخر في ذلك المقصود المعين ، وكثرة الأعوان توجب حصول المقصود ، أما إذا تخالفت تنازعت وتجادلت فضعفت ، فلا يحصل المقصود. الثالث: أن حصول التنازع ضد مصلحة العالم ؛ لأن ذلك يفضي إلى الهرج والمرج والقتل والنهب ، فلهذا السبب أمر الله تعالى في هذه الآية بإقامة الدين على وجه لا يفضي إلى التفرق ، وقال في آية أخرى: ( ولا تنازعوا فتفشلوا) [الأنفال: 46].