وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (5) وقوله: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) يقول تعالى ذكره: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه، حتى ترضى. وقد اختلف أهل العلم في الذي وعده من العطاء، فقال بعضهم: هو ما حدثني به موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا عمرو بن هاشم، قال: سمعت الأوزاعيّ يحدّث، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، عن عليّ بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كَفْرا كَفْرا، فسرّ بذلك، فأنـزل الله ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) فأعطاه في الجنة ألف قصر، في كلّ قصر، ما ينبغي من الأزواج والخدم. حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني روّاد بن الجراح، عن الأوزاعيّ، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن عليّ بن عبد الله بن عباس، في قوله: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) قال: ألف قصر من لؤلؤ، ترابهنّ المسك، وفيهنّ ما يصلحهنّ. معنى آية: ولسوف يعطيك ربك فترضى - سطور. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) ، وذلك يوم القيامة. وقال آخرون في ذلك ما حدثني به عباد بن يعقوب، قال: ثنا الحكم بن ظهير، عن السديّ، عن ابن عباس، في قوله: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) قال: من رضا محمد صلى الله عليه وسلم ألا يدخل أحد من أهل بيته النار.
وهناك من السور الشريفة والآيات القرآنية الجليلة، ما يمكن أن نجد فيها ما أورده الله تعالى في جهته عليه الصلاة والسلام مورد الشفقة والإكرام. يقول تعالى في سورة طه: "طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" (1 - 2). وذكر العلماء أن "طه" من أسماء النبيّ صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه من أسماء الله. وقيل أيضاً إنه بمعنى "يا رجل". أو "يا إنسان". وقيل أيضاً وأيضاً: هي حروف مقطعة لمعانٍ. وأما الواسطي فيرى أنه أراد (سبحانه) يا طاهر، يا هادي. وقيل هو أمر من الوطء. والهاء كناية عن الأرض. والمراد: اعتمد على الأرض بقدميك، ولا تتعب نفسك بالاعتماد على قدم واحدة وهو قوله تعالى: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى". ولسوف يعطيك ربك فترضى - إسلام أون لاين. وقد نزلت هذه الآية فيما كان النبي عليه الصلاة والسلام يتكلفه من السهر والتعب. ولا خفاء بما في هذا كله من الإكرام وحسن المعاملة والشفقة عليه صلى الله عليه وسلم. وقد أسعده الله تعالى وهوّن عليه ما يلقى من المشركين وغيرهم. وكذلك أعلمه أن من تمادى في ذلك يحل به ما حل بمن قبله. ومن مثل هذه التسلية قوله تعالى: "وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك" (فاطر: 4). وقوله تعالى أيضاً: "كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسولٍ إلاّ قالوا ساحر أو مجنون" (الذاريات: 52).
هذه الآية الكريمة: ولسوف يعطيك ربك فترضى، من النصوص التي جاءت لتشريف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى في القرآن المجيد، فإنها – على اختلاف واضح في أقوال المفسرين في توجيه الآية – تعلي شأن النبي صلى الله عليه وسلم بالوعد الذي قطعه الله على نفسه في إغداقه بالنعم والعطايا والمنن الإلهية لغاية إرضائه، فهذا العطاء مطلق ويشمل كل خير طلبه الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الدنيا والدين والدار الآخرة، لنفسه ولأمته. ولا أدل على ذلك من إضافة الفاعل في قوله {يعطيك ربك} إلى ضمير المخاطب، فكأن هذا العطاء خصص بالرسول لا يشاركه فيه أحد، وأخفي المفعول الثاني ليكون شاملا لجميع ما يريده ويتمناه الرسول صلى الله عليه وسلم كيف لا؟! فضل تكرار آية: ولسوف يعطيك ربك فترضى | المرسال. وصاحب الوعد هو الله تعالى، وهو أقدر على جميع الكائنات، والمعطي الحقيقي في هذا الموضع وفي غيره هو الخالق الذي لا يخلف الميعاد، وفي هذه الإضافة جميل العناية وكمال اللطف من الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم. يقول الرازي: «كيف يقول الله: ولسوف يعطيك ربك فترضى؟ الجواب: هذه السورة من أولها إلى آخرها كلام جبريل عليه السلام معه، لأنه كان شديد الاشتياق إليه وإلى كلامه كما ذكرنا، فأراد الله تعالى أن يكون هو المخاطب له بهذه البشارات.