القول في تأويل قوله تعالى: ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( 13)) [ ص: 365] يقول - تعالى ذكره -: يعمل الجن لسليمان ما يشاء من محاريب وهي جمع محراب ، والمحراب: مقدم كل مسجد وبيت ومصلى ، ومنه قول عدي بن زيد: كدمى العاج في المحاريب أو كال بيض في الروض زهره مستنير وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( ما يشاء من محاريب) قال: بنيان دون القصور. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( يعملون له ما يشاء من محاريب) وقصور ، ومساجد. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله ( يعملون له ما يشاء من محاريب) قال: المحاريب: المساكن ، وقرأ قول الله ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب). حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال: ثنا مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ( يعملون له ما يشاء من محاريب) قال: المحاريب: المساجد. وقوله ( وتماثيل) يعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج.
اعملوا آل داود شكرا - YouTube
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) وقوله: ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل): أما المحاريب فهي البناء الحسن ، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره. وقال مجاهد: المحاريب بنيان دون القصور. وقال الضحاك: هي المساجد. وقال قتادة: هي المساجد والقصور ، وقال ابن زيد: هي المساكن. وأما التماثيل فقال عطية العوفي ، والضحاك والسدي: التماثيل: الصور. قال مجاهد: وكانت من نحاس. وقال قتادة: من طين وزجاج. وقوله: ( وجفان كالجواب وقدور راسيات) الجواب: جمع جابية ، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس: تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: ( كالجواب) أي: كالجوبة من الأرض. وقال العوفي ، عنه: كالحياض. وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك وغيرهم. والقدور الراسيات: أي الثابتات ، في أماكنها لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها. كذا قال مجاهد ، والضحاك ، وغيرهما. وقال عكرمة: أثافيها منها. وقوله: ( اعملوا آل داود شكرا) أي: وقلنا لهم اعملوا شكرا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين.
ويؤيّد هذا مثيلٌ له في كتاب الله الكريم: 1- ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ ﴾ [النساء: 170]. 2- ﴿ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ﴾ [النساء: 171]. فهما بعض آيتين يأمر الله فيهما الناس جميعاً أن يؤمنوا إيماناً كاملاً، وأن يوقنوا بالله يقيناً صادقاً، وأن يؤمنوا بكل ما أمرهم أن يؤمنوا به –وعلى رأس ذلك عقيدة التوحيد- فيعتقدوا أن الله عز وجل واحد لا شريك له: «أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لا زوجه له ولا ولد» ويأمر أهل الكتاب بذلك، وأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم «الرسول إلى الناس كافة»؛ فقد جاءهم بالحق من ربهم «رب العالمين». وتقدير الآيتين: آمنوا إيماناً صادقاً يكون خيراً لكم، وآمنوا إيماناً –قولاً وعملاً واعتقاداً- إيماناً واعتقاداً بالجَنان «القلب» وقولاً باللسان، وعملاً بالأعضاء والأركان، وهو إيمان يحقق لكم خيرَيِ الدنيا والآخرة. ويؤيد هذا ويدعمه قوله تعالى: 1-: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ﴾ [آل عمران: 110].
2-: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [النساء: 66]. 3-: ﴿ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ﴾ [التغابن: 16]. فإعراب كلمة «خيراً» في النساء [170] و[171] والتغابن [16] خبر لفعل يكون المحذوفة المقدرة وهو خبر منصوب بالفتحة الظاهرة على آخره، أو مفعول به لفعل يحقق، وفعل يحقق أو يكون صفة لمفعول مطلق محذوف أي: آمنوا إيماناً يكون أو يحقق خيراً لكم، وأنفقوا إنفاقاً يكون أو يحقق ثواباً لكم. مما يؤيد ما قلناه في آية [سبأ: 13]: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ أي اعملوا عملاً صالحاً متقناً يكون سبباً لشكر الناس بعد شكر الله لكم، أو يحقق حبَّ الناس بعد حبّ الله لكم، فتدبّر. * * * * المصدر: – الجديد في فقه لغة القرآن الكريم: الشيخ هشام الحمصي
تاريخ النشر: 18/12/2015 الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون نبذة الناشر: الشكر هو عبادة لله سبحانه وتعالى أولاً، وهو نوع من أنواع رد الفعل تجاه موقف مر بك لأنه يتطلب منك أن تقوم إما بالشكر والتفكير الإيجابي وإما بالتذمر والسخط والتفكير السلبي، وقد يصل إلى نوع من أنواع الكفر بنعم الله عز وجل. ولأن "الشكر" عبادة اختارت الكاتبة ريحانة الفوزان آية... من آيات الذكر الحكيم عنواناً لكتابها «اعْمَلُوا آلَ داووُدَ شُكْراً» واعتبرته بمثابة دليل تطويري يحوي مجموعة من الأسس الدينية والبحوث العلمية والعملية والخواطر الإيجابية، بالإضافة إلى السلوكيات التي آمنت بها ومارستها، تقدمه للقارئ كمنهج وطريق تُمكنه من التفكر وبتطبيق ما ورد فيه، يكون قد امتلك منهجاً وطريقة يتبعها في حياته ويستقي أثرها في نجاحه في مختلف مجالات الحياة. تقول الكاتبة الفوزان: "... هذا الكتاب بحثٌ متواضع لربط عبادة الشكر التي أُمرنا بها وبيان عظم هذه القيمة الأخلاقية علينا وعلى واقعنا وعلى من حولنا. لقد جمعت الأدلة من القرآن الكريم والتي تأمرنا بالشكر كعبادة خالصة لله سبحانه وتعالى أولاً، ومن ثم تقديم هذه العبادة لوالدينا ولمن حولنا.