وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم. (165) قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ ..} وقوله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ..} الآيات:206-207 - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. وقد ذيل الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله: والله لا يحب الفساد وذلك لعدة أمور: أولا - لبيان أن الله لا يحب ذلك الصنف من الناس الذي يخدع الناس ويكذب على الله ، ويجادل ويماري ، ويضل عن بينة ، ويسعى في الأرض بالفساد; إذ الله لا يحب الفساد فلا يحب المفسدين ، ومن لا يحبه الله فهو بعيد عن رحمته ، معرض لنقمته. ثانيا - ولبيان أن الله سبحانه وتعالى لا يريد بما فرض من عبادات إلا مصلحة الناس ودفع الضر عنهم ، فهو الغني الحميد الذي لا يكسب من عبادة عابد; ولا يضار من فسق فاسق; إنما الأمر في ذلك إلى مصلحة الناس ودفع الضر عنهم. ثالثا - وفوق ذلك هذا التذييل يدل على أن شرع الله كله أساسه إقامة المصلحة ودفع المضرة ، فما من أمر شرعه الله إلا فيه جلب نفع أو دفع ضرر ، وأن دفع الضرر ، مقدم على جلب النفع ، وأن دفع الضرر العام مقدم على دفع الضرر الخاص ، وأن جلب المنفعة العامة مقدم على جلب المنفعة الخاصة. رابعا - وإن هذا التذييل فوق ذلك يشير إلى أن الله سبحانه استخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها لا ليفسدها، فأولئك الذين يبذلون الجهود العقلية ليصلوا [ ص: 644] إلى ما يدمر الأرض ويخربها ويجعلوا عاليها سافلها قد ضلوا عن سنة الله ، وخرجوا على قانون الفطرة وهم بعيدون عن محبة الله; لأنهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
وما الفرق بين العزة بالحق وبين العزة بالإثم؟ ولنستعرض القرآن الكريم لنعرف الفرق. ألم يقل سحرة فرعون: فيما حكاه الله عنهم: { بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ} [الشعراء: 44] هذه عزة بالإثم والكذب. وكذلك قوله تعالى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص: 2] وهي عزة كاذبة أيضا أما قوله عز وجل: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] فتلك هي العزة الحقيقة، إذن فالعزة هي القوة التي تَغْلِبُ، ولا يَغْلِبها أحد. ما معنى.قوله تعالى ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) وفى أى سورة. أما العزة بالإثم فهي أنفة الكبرياء المقرونة بالذنب والمعصية. والحق سبحانه وتعالى يقول لكل من يريد هذا اللون من العزة بالإثم: إن كانت عندك عزة فلن يقوى عليك أحد، ولكن يا سحرة فرعون يا من قلتم بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، أنتم الذي خررتم سجداً لموسى وقلتم: { قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ} [الشعراء: 47-48] ولم تنفعكم عزة فرعون؛ لأنها عزة بالإثم، لقد جاءت العزة بالحق فغلبت العزة بالإثم. لذلك يبين لنا الحق سبحانه وتعالى أن العزة حتى لا تكون بالإثم، يجب أن تكون على الكافر بالله، وتكون ذلة على المؤمن بالله.
3999 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " وإذا قيلَ له اتق الله أخذته العزة بالإثم " إلى قوله: وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى السُّبْحة وفرغ، دخل مربدًا له، (44) فأرسل إلى فتيان قد قرأوا القرآن، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة، (45) قال: فيأتون فيقرأون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمرُّوا بهذه الآية: " وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم " ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ = قال ابن زيد: وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله= فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال، فقال: وأيّ شيء قلت ؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قلت ؟ اقتَتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى ههنا مَنْ إذا أُمِر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يَشري نفسه ابتغاءَ مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي! فقاتله، فاقتتل الرجلان! فقال عمر: لله بلادك يا ابن عباس.
وفي الدر المنثور ١: ٢٤١ -"لله درك". والعرب تقول: "لله در فلان، ولله بلاده". ]] وقال آخرون: بل عنى به الأخنس بن شريق، وقد ذكرنا من قال ذلك فيما مضى. [[انظر الأثر رقم: ٣٩٦١. ]] وأما قوله:" ولبئس المهاد"، فإنه يعني: ولبئس الفراشُ والوِطاء جهنمُ التي أوعدَ بها جل ثناؤه هذا المنافق، ووطَّأها لنفسه بنفاقه وفجوره وتمرُّده على ربه.