السؤال قبل أن يهديني الله، كنت إذا ابتغيت رزقا، سلكت سببا. وعندما يرقني هذا الرزق، يكون من نفس السبب الذي اتخذته، كأنه عقاب، أن يعلقني الله بالسبب. وبعد أن هداني الله، أصبحت أتخذ السبب مع التعلق بالله، ويرزقني من جهة أخرى تماما؛ فأزداد -بفضل الله- إيمانا، وتوكلا عليه. تسجيل الدخول : مـودة . نت - موقع زواج عربي مجاني اسلامي. فهل هذا ما يقوله الله: "ومن يتق الله … ويرزقه من حيث لا يحتسب "؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فقد قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}. وهذا الوعد بالمخرج والرزق من غير وجه الاحتساب، يحتمل أن يكون متعلقا بشأن الأزواج خاصة، ويحتمل أن يكون عاما في كل شؤون أهل التقوى. قال البيضاوي: ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على الاتقاء عما نهى عنه صريحاً أو ضمناً من الطلاق في الحيض، والإِضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكن، وتعدي حدود الله، وكتمان الشهادة …… بأن يجعل الله له مخرجاً مما في شأن الأزواج من المضايق والغموم، ويرزقه فرجاً وخلفاً من وجه لم يخطر بباله.
ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. فلقد جاء الأمر بالتقوى في كتاب الله تبارك وتعالى مرارًا عدة مكررًا أحيانًا، وهذا يدلُّ على أهميتها في حياة المسلم، بل إن الحياة بلا تقوى هي حياة المشاكل المتنوعة المتكاثرة؛ لأن التقوى هي المَخرَج من المآزق والمشاكل، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]. إن الخطيب والواعظ والمحاضر والمذيع وما يماثلهم من التربويين والدعاة يكثرون من قولهم لنا: اتقوا الله، فماذا أثَّرت تلك الكلمةُ على جوارحنا وسلوكنا؟ حيث إنه من المفترض أن الأُذن إذا سمعت تلك الكلمة في آية أو حديث أو غيرهما ينبغي أن تبقى في الذهن برهةً من الزمن؛ لتتصحح الأعمال والأقوال لدى المستمع. قصص واقعية تدخل تحت الاية ((و من يتق الله يجعل له مخرجا)). فاتقِ الله تبارك وتعالى في سماعك أخي الكريم لكلمة "اتقوا الله"، وأَنزِلْها منزلتها؛ فهي رأس الأمر وعموده، فلو اتقى اللهَ تعالى المغتابُ والمُرابي والعاق والفاسق ونحوهم، لترَكوا تلك المعاصيَ. إن هذه الكلمة العظيمة "اتقوا الله" يعرِّفها طلق بن حبيب رحمه الله بقوله: "هي أن تعمل ما أمر الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله"، ويعرِّفها آخرون: "هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً؛ بفعل الأوامر وترك النواهي".
د. حسين آل الشيخ مُلقياً خطبة الجمعة قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ - في خطبة الجمعة -: إن هذا الشهر مدرسة للتربية على تهذيب الأخلاق الفُضلى والشمائل العُليا والصفات الحُسنى، فكن أيها الصائم في قمة الطِّيب والحُسن قولًا وفِعلًا وتعاملًا، ومِن ذلك أن يتقِّ العبد الفُحش والأذى وينأى بنفسه عن الإضرار بالآخرين ويبتعد عن كل خُلُق رديء مذموم، وعن كل تعامل فظ فاحش، قال صلى الله عليه وسلم: "وإذا كان يومُ صَومِ أحَدِكم فلا يصخَبْ، ولا يرَفُث، فإن سابهَ أحدٌ، أو قاتَلَه؛ فلْيقُلْ: إني امرؤٌ صائِمٌ". ومن يتق الله يرزقه. وأضاف: ألا فحركوا بهذا القرآن العظيم قلوبكم وعظموا به خالقكم وزكوا به جوارحكم وهذبوا به أخلاقكم واجعلوه في حياتكم كالروح للجسد والماء العذب الطيب للعطشان، اتخذوه نورًا يُضيء طريقكم، قال جرير بن عبدالله البجلي: "أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالقرآن؛ فإنه نور بالليل المظلم، وهدى بالنهار"، فيا أيها المسلم: اقرأ كلام ربك وقلبك فارغٌ مِن كل شيء إلاّ مِن الله ومحبته والرغبة في فهم كلامه قال تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ "، قال سليمان الخواص: قلتُ لنفسي: "اقرئي القرآن كأنك سمعتيه مِن الله حين تكلم به، فجاءت الحلاوة".
وتابع: أعظمُ العبادات وأفضلُها - لا سيما في رمضان - تلاوةُ كلام الرحمن بتدبر وتعقل وتذكر قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ"، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناسِ بالخير، أو كان أَجْوَدَ ما يكونُ في رمضانَ حِينَ يلَقاهُ جبريلُ، أو كان جبريل يلَقاهُ في كل ليلة مِن رمضانَ فَيُدارِسُه القرآن، فَلَرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجْوَد بالخير من الريح المرسلة". وأكد أن من أعظم مقاصد القرآن الاتعاظ بمعانيه ودلالته والعمل بأوامره وتوجيهاته، والوقوفِ عند حدوده، والوصول إلى تعظيم المتكلمِ به سبحانه، وتحقيق التوحيد له عز شأنه، وإن العبد لفي ضرورة إلى أن يتعرف على خالقه وإلهه مِن مُنطلق ما عرف به جل وعلا نفسه في كلامه؛ ليثمر ذلك للعبد المعاني الجليلة من تعظيم ربه والقيام بحقوقه على أكمل وجه وأتمه.
وهذه الجملة معترضة بين المتعاطفتين. والأمر في قوله: { أمر الله}: حكمه وما شرعه لكم كما قال: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} [ الشورى: 52]. وإنزاله: إبلاغه إلى الناس بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق عليه الإِنزال تشبيهاً لشرف معانيه وألفاظه بالشيء الرفيع لأن الشريف يتخيل رفيعاً. وهو استعارة كثيرة في القرآن. ففي قوله: { أنزله} استعارة مكنية. والكلام كناية عن الحث على التهمّم برعايته والعمل به وبعث الناس على التنافس في العلم به إذ قد اعتنى الله بالناس حيث أنزل إليهم ما فيه صلاحهم. وأعيد التحريض على العمل بما أمر الله بالوعد بما هو أعظم من الأرزاق وتفريج الكرب وتيسير الصعوبات في الدنيا. ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا. وذلك هو تكفير للسيئات وتوفير للأجور. والجملة معطوفة على الجملة المعترضة فلها حكم الاعتراض. وجيء بالوعد من الشرط لتحقيق تعليق الجواب على شرطه. إعراب القرآن: «ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ» مبتدأ وخبره ولفظ الجلالة مضاف إليه والجملة استئنافية لا محل لها «أَنْزَلَهُ» ماض ومفعوله والفاعل مستتر «إِلَيْكُمْ» متعلقان بالفعل والجملة حال ، «وَ» الواو حرف استئناف «مَنْ» اسم شرط جازم مبتدأ «يَتَّقِ اللَّهَ» مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط وفاعله مستتر ولفظ الجلالة مفعول به «يُكَفِّرْ» مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط فاعله مستتر «عَنْهُ» متعلقان بالفعل «سَيِّئاتِهِ» مفعول به والجملة جواب الشرط لا محل لها وجملتا الشرط والجواب خبر المبتدأ من وجملة من.. استئنافية لا محل لها «وَيُعْظِمْ» معطوف على يكفر «لَهُ» متعلقان بالفعل «أَجْراً» مفعول به.
وقال تعالى: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)) (13). وقال أيضاً: (( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى)) (14). وقال: (( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٭ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ٭ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)) (15) ، أي ( لا يضلّ في طريقه ، ولا يشقى في غايته التي هي عاقبة أمره ، وإطلاق الضلال والشقاء ، يقضي بنفي الضلال والشقاء عنه في الدنيا والآخرة جميعاً ، وهو كذلك ، فإنّ الهدى الإلهي هو الدين الفطري الذي دعا إليه بلسان أنبيائه ، ودين الفطرة هو مجموع الاعتقادات والأعمال التي تدعو إليها فطرة الإنسان وخلْقته ، بحسب ما جهز من الجهازات) (16). قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (( ولو أنّ السموات والأرضين كانتا على عبد رتقاً (17) ، ثمّ اتقى الله ، لجعل الله له منهما مخرجاً)) (18). ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. وقال أيضاً: (( واعلموا أنّه من يتَّقِ اللهَ يجعلْ له مَخْرجاً من الفتن ، ونوراً من الظلم)) (19). وقال أيضاً: (( فإنّ تقوى الله مفتاح سداد ، وذخيرة معاد ، وعتق من كلّ ملكة ، ونجاة من كلّ هلكة ، بها ينجح الطالب ، وينجو الهارب ، وتُنال الرغائب)) (20).
وقرأ داود بن أبي هند " بالغ أمره " بالتنوين ورفع الراء. قال الفراء: أي أمره بالغ. وقيل: " أمره " مرتفع ب " بالغ " والمفعول محذوف; والتقدير: بالغ أمره ما أراد. قد جعل الله لكل شيء قدرا أي لكل شيء من الشدة والرخاء أجلا ينتهي إليه. وقيل تقديرا. وقال السدي: هو قدر الحيض في الأجل والعدة. وقال عبد الله بن رافع: لما نزل قوله تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فنحن إذا توكلنا عليه نرسل ما كان لنا ولا نحفظه; فنزلت: إن الله بالغ أمره فيكم وعليكم. وقال الربيع بن خيثم: إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه ومن آمن به هداه ، ومن أقرضه جازاه ، ومن وثق به نجاه ، ومن دعاه أجاب له. وتصديق ذلك في كتاب الله: ومن يؤمن بالله يهد قلبه. ومن يتوكل على الله فهو حسبه. إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم. ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان.