ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل فقال: { وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي: يعلم مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى. ما معنى المزمل ؟ - إسألنا. { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} أي: [لن] تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص، لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا أي: فخفف عنكم، وأمركم بما تيسر عليكم، سواء زاد على المقدر أو نقص، { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} أي: مما تعرفون ومما لا يشق عليكم، ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا، فإذا فتر أو كسل أو نعس، فليسترح، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة. ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف، فقال: { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه، فليصل المريض المتسهل عليه ، ولا يكون أيضا مأمورا بالصلاة قائما عند مشقة ذلك، بل لو شقت عليه الصلاة النافلة، فله تركها [وله أجر ما كان يعمل صحيحا]. { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي: وعلم أن منكم مسافرين يسافرون للتجارة، ليستغنوا عن الخلق، ويتكففوا عن الناس أي: فالمسافر، حاله تناسب التخفيف، ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد، وقصر الصلاة الرباعية.
وعد الله -تعالى- المؤمنين بالجزاء العظيم على فعل الخيرات في الدنيا. قيام الليل لا يغني عن أعمال النهار وعباداته من صلاة وزكاة وغيرها. على الإنسان المبادرة إلى التوبة، فآيات سورة المزمل يجب أن تكون موعظة له. على الكافرين أن يتعظوا مما حل بفرعون وقومه عندما كذبوا رسول الله المرسل إليهم. التآسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام عندما امثلوا لأمر الله -تعالى- بقيام الليل، والحرص على قيام الليل ولو كان قليلاً، أو بمجرد صلاة ركعتين قبل آذان الفجر؛ حرصاً على نيل الأجر والثواب من الله -تعالى-. تذكر سورة المزمل المسلم بعدد من الأمور أهمها: المحافظة على الصلاة والزكاة وسائر العبادات حتى ينال العبد رضى الله تعالى، وتذكره بأهوال يوم القيامة وعذاب المشركين، كما بينت حكم قيام الليل؛ فقد كان قيام الليل فرضاً ثم نسخ الحكم فأصبح مندوباً، وقد ظهر فيه رحمة الله بالأمة إذ خفف من الحكم لأنه رحيم ويعلم أنهم لا يطيقونه، وهذا هو الإسلام دين يسر ورحمة. المراجع ↑ سورة المزمل، آية:20 ↑ النيسابوري، نظام الدين القمي، تفسير النيسابوري غرائب القرآن ورغائب الفرقان ، صفحة 376. سبب نزول سورة المزمل وسبب تسميتها - حياتكَ. بتصرّف. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة، الصفحة أو الرقم:4957 ، صحيح.
يقول ابن عاشور في التعليق على أسلوب التركيب فيهما (التحرير والتنوير: 29/ 257): الفعل (قمْ الليلَ): منزل منزلة اللازم (أي جاء من غير تعليق جواب له)؛ فلا يحتاج إلى تقدير متعلق لأن القيام مراد به الصلاة، فهذا قيام مغاير للقيام المأمور به في سورة المدثر بقوله: (قمْ فأنذرْ)؛ فإن ذلك بمعنى الشروع (لذلك جاء بتعليق فعلٍ جوابٍ له).
وفي هذا تحذير من معصية الرسول محمد, صلى الله عليه وسلم, خشية أن يصيب العاصي مثل ما أصاب فرعون وقومه فكيف تقون أنفسكم- إن كفرتم- عذاب يوم القيامة الذي يشيب فيه الولدان الصغار; من شدة هوله وكربه؟ السماء متصدعة في ذلك اليوم; لشدة هوله, كان وعد الله تعالى بمجيء ذلك اليوم واقعا لا محالة. إن هذه الآيات المخوفة التي فيها القوارع والزواجر عظة وعبرة للناس, فمن أراد الاتعاظ والانتفاع بها اتخذ الطاعة والتقوى طريقا توصله إلى رضوان ربه الذي خلقه ورباه.