واختلف أهل العربية في الذي نصب ( أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) فقال بعض نحويي البصرة: نصب على الحال. وقال بعض نحويي الكوفة: بل نصب ذلك بوقوع الكفات عليه، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات، فإذا نوّنت نصبت كما يقرأ من يقرأ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ وهذا القول أشبه عندي بالصواب.
77-سورة المرسلات 25 ﴿25﴾ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ألم نجعل هذه الأرض التي تعيشون عليها، تضم على ظهرها أحياء لا يحصون، وفي بطنها أمواتًا لا يحصرون، وجعلنا فيها جبالا ثوابت عاليات؛ لئلا تضطرب بكم، وأسقيناكم ماءً عذبًا سائغًا؟ تفسير ابن كثير قال ابن عباس كفاتا كنا وقال مجاهد يكفت الميت فلا يرى منه شيء وقال الشعبي بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم. تفسير السعدي أي: أما امتننا عليكم وأنعمنا، بتسخير الأرض لمصالحكم، فجعلناها { كِفَاتًا} لكم. تفسير القرطبي قوله تعالى: ألم نجعل الأرض كفاتا أي ضامة تضم الأحياء على ظهورها والأموات في بطنها. إعراب قوله تعالى كفاتا أحياءً وأمواتا - إسلام ويب - مركز الفتوى. وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ، ودفن شعره وسائر ما يزيله عنه. وقوله - عليه السلام -: قصوا أظافركم وادفنوا قلاماتكم وقد مضى في ( البقرة) بيانه يقال: كفت الشيء أكفته: إذا جمعته وضممته ، والكفت: الضم والجمع; وأنشد سيبويه: كرام حين تنكفت الأفاعي إلى أحجارهن من الصقيع وقال أبو عبيد: كفاتا أوعية. ويقال للنحي: كفت وكفيت; لأنه يحوي اللبن ويضمه قال: فأنت اليوم فوق الأرض حي وأنت غدا تضمك في كفات وخرج الشعبي في جنازة فنظر إلى الجبان فقال: هذه كفات الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحياء.
[ ص: 135] حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله: ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) يسكن فيها حيهم ، ويدفن فيها ميتهم. حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( أحياء وأمواتا) قال: أحياء فوقها على ظهرها ، وأمواتا يقبرون فيها. واختلف أهل العربية في الذي نصب ( أحياء وأمواتا) فقال بعض نحويي البصرة: نصب على الحال. وقال بعض نحويي الكوفة: بل نصب ذلك بوقوع الكفات عليه ، كأنك قلت: ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات ، فإذا نونت نصبت كما يقرأ من يقرأ ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة) وهذا القول أشبه عندي بالصواب. تفسير قوله تعالى {ألَم نجْعَل الأرضَ كفاتًا} | مصراوى. وقوله: ( وجعلنا فيها رواسي شامخات) يقول تعالى ذكره: وجعلنا في الأرض جبالا ثابتات فيها ، باذخات شاهقات. كما حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجعلنا فيها رواسي شامخات) يعني الجبال. حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: ( رواسي شامخات) يقول: جبالا مشرفات. وقوله: ( وأسقيناكم ماء فراتا) يقول: وأسقيناكم ماء عذبا. حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( وأسقيناكم ماء فراتا) يقول: عذبا.
والثاني: أن الكفات مفرد مصدر كفته إذا ضمه وجمعه، ونظيره في المعنى والوزن كتبه كتابا. والتقدير: ذا كفات، كما تقول: زيد عدل, والأحياء والأموات مراد به بنو آدم. فعلى التفسير الأول أحياء وأمواتا صفتان لكفاتا، وكأنه قيل: أوعية حية وميتة، أو حالا من الأرض، أو من كفاتا على ضعف في ذلك؛ لكونه نكرة، ولا يسوغ ذلك، تقدم النفي؛ لأن النفي المقرون بهمزة الاستفهام يراد به الثبوت. فكأنه قيل: جعلنا الأرض كفاتا. وأجاز بعضهم أن يكون تمييزا. كما تقول: عندي نحى سمنا، وراقود خلا. وفيه نظر لأنه مشتق. ولأن النحى، والراقود ليسا نفس السمن والخل بل محل لهما، والأحياء والأموات نفس الكفات. وعلى التفسير الثاني هما مفعولان لفعل دل عليه كفاتا، والتقدير: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتاً} تجمع {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} وأجاز بعضهم أن يكونا مفعولين لكفاتا نفسه، وليس بشيء؛ لأن ليس مقدرا بأن والفعل. انتهى. ولم نطلع على قول للمفسرين بانتصاب "أحياء... " بنزع الخافض، ولعل السبب هو أن فعل: كفت يتعدى بنفسه، لا بحرف جر، فهو ينصب مفعوله بنفسه، فلا خافض محذوف. وإنما الانتصاب بالنصب بالمصدر العامل "كفاتا" أو على تقدير "تجمع {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً}" كما قدره ابن هشام.
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وجائز أن يكون عُني بقوله: ( كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) تكفت أذاهم في حال حياتهم، وجيفهم بعد مماتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا) يقول: كِنًّا. حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا خالد، عن مسلم، عن زاذان أبي عمر، عن الربيع بن خثيم، عن عبد الله بن مسعود، أنه وجد قملة في ثوبه، فدفنها في المسجد ثم قال: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا). حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا مسلم الأعور، عن زاذان، عن ربيع بن خثيم، عن عبد الله، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، قال: قال مجاهد في الذي يرى القملة في ثوبه وهو في المسجد، ولا أدري قال في صلاة أم لا إن شئت فألقها، وإن شئت فوارها ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا). حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن شريك، عن بيان، عن الشعبيّ ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا* أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) قال: بطنها لأمواتكم، وظهرها لأحيائكم.
» وقال فيكتور هيجو: «إنه ربما كان أعظم آية أخرجتها بصيرة الإنسان. » وقال شاف Schaff: «إنه يرتفع كالهرم في تاريخ الأدب بلا سابقة وبغير نظير. من هو ابو انبياء للاطفال. » أما بلعام ويثرون فقد ذُكر الأول في كتب العهد القديم لأنه نصر بني إسرائيل في الخصومة بينهم وبين الموآبيين، وذُكر الثاني لما بينه وبين موسى من المصاهرة، وما كان له من الفضل في تعليمه نظام الحكم وسياسة القبائل، وغيرهم ولا شك كثيرون لم يذكروا في المراجع اليهودية؛ إذ كانت هذه المناسبات لا تستوعب تاريخ البقاع بين تخوم العراق وتخوم العقبة وما وراءها من أرض الجنوب. وهذا بعض القرائن على مكانة النبوة في أرض الجنوب مما يلي سيناء والحجاز، ومن القرائن الأخرى في كتب العهدين القديم والجديد يفهم بغير تردد أن تلك البقاع كانت وجهة الأنبياء في كل عصر تحدثت عنه تلك الكتب؛ فإبراهيم توجه إلى جيرار، وموسى توجه إلى مدين «مديان»، وبولس الرسول قال في كتاب غلاطية: إنه ذهب إلى بلاد العرب قبل أن يأتي إلى دمشق، ولم يفتأ بنو إسرائيل إلى عهد المسيح ينعون على الشمال أنه لا يخرج منه شيء حسن، وينتظرون النبوءات من برية الجنوب. ويجب أن يتأنى المؤرخ طويلًا عند ملاحظة هذه القرائن المتعددة؛ فهي في تاريخ الخليل دليل على الوجهة التي يجب أن يبحث عنها المؤرخ إذا أراد البحث الصحيح عن مسلك الخليل في أيامه الأخيرة، فإنما يكون مسلكه المعقول إلى طريق الجنوب، ولا يعقل له مسلك إلى بيت المقدس يستقر عليه قراره؛ فإن المصادر الإسرائيلية نفسها تقول: إنه كان غريب الدعوة والموطن في حبرون، وإنه اشترى مدفنه من الحيثيين.
بتصرّف. ↑ القرأن الكريم، سورة الأنعام، الآية رقم: 84 إلى 86.
بتصرّف. ↑ حسام العيسوي إبراهيم (23/1/2013)، "(الصفات التي اتصف بها إبراهيم الخليل - عليه السلام)" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2019-5-10. بتصرّف.
وقال أيضا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [3] ( سورة المائدة). إبراهيم أبو الأنبياء | عباس محمود العقاد | مؤسسة هنداوي. وقال أيضا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [4] ( سورة الحج). وركز لنا بشدة على قصة الفداء في التوراة والقرآن، حيث نجد في التوراة أن صاحب الواقعة هو (( יִצְחָק اسحق)) في حين يذكر القرآن بأنه إسماعيل. ذكر العقاد في كتابه بأن اسـم إبراهيم عليه السلام هو اسم ينطق في كل اللغات، وشرح كلمة (إبرام) أو (إبراهام) في العبرية تعني (أبًا لجمهور من الأمم) و في اللغة العربية (إبراهيم) تعني أبًا رحيمًا. هذا الكتاب إضافة نيرة للعقاد ويُعتبر تأكيدا على نضج فكره ورجاحة عقله وموسوعيته ويُؤكد مدى صحة مقولة «التخصص آفة العصر» التي طرحها بنجامين فرانكلين في كتاب له، فقد أعاد لنا العقاد عصر التنوير في العصر الوسيط المستنير للدولة الإسلامية في رداء القرن العشرين لـ ابن سينا و ابن رشد و أبو إبراهيم الفارابي.