المسألة الثانية: قال صاحب الكشاف: قرئ " ومن يؤتي الحكمة " بمعنى: ومن يؤته الله الحكمة ، وهكذا قرأ الأعمش. المسألة الثالثة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى وذلك لأن الحكمة إن فسرناها بالعلم لم تكن مفسرة بالعلوم الضرورية ، لأنها حاصلة للبهائم والمجانين والأطفال ، وهذه الأشياء لا توصف بأنها حكم ، فهي مفسرة بالعلوم النظرية ، وإن فسرناها بالأفعال الحسية فالأمر ظاهر ، وعلى التقديرين فيلزم أن يكون حصول العلوم النظرية والأفعال الحسية ثابتا من غيرهم ، وبتقدير مقدر من غيرهم ، وذلك الغير ليس إلا الله تعالى بالاتفاق ، فدل على أن فعل العبد خلق لله تعالى. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة البقرة - قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا- الجزء رقم7. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من الحكمة النبوة والقرآن ، أو قوة الفهم والحسية على ما هو قول الربيع بن أنس ؟. قلنا: الدليل الذي ذكرناه يدفع هذه الاحتمالات ، وذلك لأنه بالنقل المتواتر ثبت أنه يستعمل لفظ الحكيم في غير الأنبياء ، فتكون الحكمة مغايرة للنبوة والقرآن ، بل هي مفسرة إما بمعرفة حقائق الأشياء ، أو [ ص: 61] بالإقدام على الأفعال الحسنة الصائبة ، وعلى التقديرين فالمقصود حاصل ، فإن حاولت المعتزلة حمل الإيتاء على التوفيق والإعانة والألطاف ، قلنا: كل ما فعله من هذا الجنس في حق المؤمنين فقد فعل مثله في حق الكفار ، مع أن هذا المدح العظيم المذكور في هذه الآية لا يتناولهم ، فعلمنا أن الحكمة المذكورة في هذه الآية شيء آخر سوى فعل الألطاف ، والله أعلم.
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) لأنه خرج من ظلمة الجهالات إلى نور الهدى، ومن حمق الانحراف في الأقوال والأفعال إلى إصابة الصواب فيها، وحصول السداد، ولأنه كمل نفسه بهذا الخير العظيم، واستعد لنفع الخلق أعظم نفع في دينهم ودنياهم. وجميع الأشياء لا تصلح إلا بالحكمة، التي هي وضع الأشياء في مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام. (تفسير السعدي).
عندما يمر الانسان بوعكة صحية طارئة يرافقها ألم شديد تجده يبحث عن علاج سريع لإيقاف تلك الآلام وفي هذه الحالة لابد من الاتصال بطبيب من ذوي الاختصاص لإيجاد بعض الحلول والمسكنات على وجه السرعة وربما يسبب بعض الاحراجات للذين تتصل بهم وخاصة اذا كان الوقت متأخر بعد منتصف الليل….
وهي مشتقة من الحكم وهو المنع لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الغلط والضلال ، قال تعالى: كتاب أحكمت آياته ومنه سميت الحديدة التي في اللجام وتجعل في فم الفرس حكمة. ومن يشاء الله تعالى إيتاءه الحكمة هو الذي يخلقه مستعدا إلى ذلك من سلامة عقله واعتدال قواه ، حتى يكون قابلا لفهم الحقائق منقادا إلى الحق إذا لاح له ، لا يصده عن ذلك هوى ولا عصبية ولا مكابرة ولا أنفة ، ثم ييسر له أسباب ذلك من حضور الدعاة وسلامة البقعة من العتاة ، فإذا انضم إلى ذلك توجهه إلى الله بأن يزيد أسبابه تيسيرا ويمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التيسير ، وفسرت الحكمة بأنها معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بما تبلغه الطاقة ، أي بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها مع بعض ولا يغلط في العلل والأسباب. والحكمة قسمت أقساما مختلفة الموضوع اختلافا باختلاف العصور والأقاليم ، ومبدأ ظهور علم الحكمة في الشرق عند الهنود البراهمة والبوذيين ، وعند أهل الصين [ ص: 62] البوذيين وفي بلاد فارس في حكمة زرادشت ، وعند القبط في حكمة الكهنة ، ثم انتقلت حكمة هؤلاء الأمم الشرقية إلى اليونان وهذبت وصححت وفرعت وقسمت عندهم إلى قسمين: حكمة عملية ، وحكمة نظرية.
فأما الحكمة العملية فهي المتعلقة بما يصدر من أعمال الناس ، وهي تنحصر في تهذيب النفس وتهذيب العائلة وتهذيب الأمة. والأول علم الأخلاق ، وهو التخلق بصفات العلو الإلهي بحسب الطاقة البشرية ، فيما يصدر عنه كمال في الإنسان. والثاني: علم تدبير المنزل. والثالث علم السياسة المدنية والشرعية. وأما الحكمة النظرية فهي الباحثة عن الأمور التي تعلم وليست من الأعمال ، وإنما تعلم لتمام استقامة الأفهام والأعمال ، وهي ثلاثة علوم: علم يلقب بالأسفل وهو الطبيعي ، وعلم يلقب بالأوسط وهو الرياضي ، وعلم يلقب بالأعلى وهو الإلهي. فالطبيعي يبحث عن الأمور العامة للتكوين والخواص والكون والفساد ، ويندرج تحته حوادث الجو وطبقات الأرض والنبات والحيوان والإنسان ويندرج فيه الطب والكيمياء والنجوم. والرياضي الحساب والهندسة والهيئة والموسيقى ويندرج تحته الجبر والمساحة والحيل المتحركة ( الماكينية) وجر الأثقال. وأما الإلهي فهو خمسة أقسام: معاني الموجودات ، وأصول ومبادئ وهي المنطق ومناقضة الآراء الفاسدة ، وإثبات واجب الوجود وصفاته ، وإثبات الأرواح والمجردات ، وإثبات الوحي والرسالة ، وقد بين ذلك أبو نصر الفارابي وأبو علي ابن سينا.
وقال السدي: الحكمة: النبوة. والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة ، بل هي أعم منها ، وأعلاها النبوة ، والرسالة أخص ، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع ، كما جاء في بعض الأحاديث: " من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه ". رواه وكيع بن الجراح في تفسيره ، عن إسماعيل بن رافع عن رجل لم يسمه ، عن عبد الله بن عمر وقوله. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويزيد قالا: حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ". وهكذا رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من طرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد ، به. وقوله: ( وما يذكر إلا أولو الألباب) أي: وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل يعي به الخطاب ومعنى الكلام.