إن هذه المجاهرة القبيحة، لها دور كبير وعظيم في إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، والله جل وعلا يقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. وإشاعة الفاحشة في المجتمع تكون بأكثر من وجه: أولها: بالإقدام على الفاحشة، والتعامل بها. ثانيها: بالمعالنة باتيان الفاحشة من مرتكبها، أو التحدث بها إلى الناس، أو تسجيلها، بالصوت فقط أو بالصوت والصورة، أو تصويرها بالصورة الثابتة، وهذا فيه افشاء ما ستر الله منه. ثالثها: بإذاعة الأحاديث عن الفاحشة، أو بنشر صورها وأشرطتها، سواء كان ذلك في أهل الفاحشة أم في غيرهم. رابعها: بالاصغاء إلى حديث الإثم، وترك المتحدثين، يثرثون دون أن يردعهم رادع، أو يمسك ألسنتهم أحد. المجاهرة بالمعاصي.. "كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين". فهذه الوجوه، وما يدخل مداخلها، كلها مما تشيع به الفاحشة في المجتمع، قولاً وفعلاً.
وإذا كان الإسلام قد حرم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، حيث ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها». وفي رواية: «إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها». مع أن هذا الفعل (جماع الرجل لزوجته) حلال في أصله وذاته، فمنع التحدث به لئلا يفتح أبواب الفتنة على السامعين، فكيف إذا كان الأمر المتحدث به محرماً في أصله كالزنا ونحوه عياذاً بالله، فلا شك أنه أشد حرمة وأفظع جريمة، وأكثر فتنة. إن المجاهرة في السابق كما يفهم من الحديثين مقتصرة فحسب على التحدث باللسان، لكنها في هذا العصر توسعت دائرتها، وتنوعت مظاهرها وصورها وأساليبها، لتعم بعض الوسائل السمعية والمقروءة والمرئية، فهناك التسجيل بالصوت، والتسجيل بالصوت والصورة (الفيديو، والبلوتوث) وهناك التصوير الفوتوغرافي. فليست المسألة حديثاً يدار على الألسنة، ويلقى به على الأسماع بل زاد البلاء بلاء، والفتنة فتنة، حتى أخذت الفضيحة مساحة في المجتمع أوسع، لتعم المقاطع الصوتية، والمشاهد المرئية، حتى كأن السامع الرائي بين ظهراني المذنبين وتحت سقف واحد والعاصين.
- كلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرين ، و إنَّ من الجِهارِ أن يعملَ الرجلُ بالليلِ عملًا ثم يُصبِحُ و قد ستره اللهُ تعالى فيقولُ: عملتُ البارحةَ كذا و كذا ، و قد بات يسترُه ربُّه ، و يُصبِحُ يكشفُ سِترَ اللهِ عنه الراوي: أبو هريرة | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم: 4512 | خلاصة حكم المحدث: صحيح | التخريج: أخرجه البخاري (6069)، ومسلم (2990) باختلاف يسير.