فليشكروا الذي أعطاهم، بمواساة إخوانهم المحتاجين، وليبادروا بذلك، الموت الذي إذا جاء، لم يمكن العبد أن يأتي بمثقال ذرة من الخير، ولهذا قال: { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ} متحسرًا على ما فرط في وقت الإمكان، سائلاً الرجعة التي هي محال: { رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أي: لأتدارك ما فرطت فيه، { فَأَصَّدَّقَ} من مالي، ما به أنجو من العذاب، وأستحق به جزيل الثواب، { وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} بأداء المأمورات كلها، واجتناب المنهيات، ويدخل في هذا، الحج وغيره، وهذا السؤال والتمني، قد فات وقته، ولا يمكن تداركه. تفسير القرطبي قوله تعالى: وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت يدل على وجوب تعجيل أداء الزكاة ، ولا يجوز تأخيرها أصلا. وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت 1. وكذلك سائر العبادات إذا تعين وقتها. الثانية: قوله تعالى: فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين سأل الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحا. وروى الترمذي عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل ، سأل الرجعة عند الموت.
{ { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا}} المحتوم لها { { وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}} من خير وشر، فيجازيكم على ما علمه منكم، من النيات والأعمال. #أبو_الهيثم #مع_القرآن 9 0 68, 237
63-سورة المنافقون 10 ﴿10﴾ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وأنفقوا -أيها المؤمنون- بالله ورسوله بعض ما أعطيناكم في طرق الخير، مبادرين بذلك من قبل أن يجيء أحدكم الموت، ويرى دلائله وعلاماته، فيقول نادمًا: ربِّ هلا أمهلتني، وأجَّلت موتي إلى وقت قصير، فأتصدق من مالي، وأكن من الصالحين الأتقياء. تفسير ابن كثير ثم حثهم على الإنفاق في طاعته فقال: ( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) فكل مفرط يندم عند الاحتضار ، ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا ، يستعتب ويستدرك ما فاته ، وهيهات!
وأما تقدير الأمر بالزاد والراحلة ففي ذلك خلاف مشهور بين العلماء. وليس لكلام ابن عباس فيه مدخل; لأجل أن الرجعة والوعيد لا يدخل في المسائل المجتهد فيها ولا المختلف عليها ، وإنما يدخل في المتفق عليه. والصحيح تناوله للواجب من الإنفاق كيف تصرف بالإجماع أو بنص القرآن; لأجل أن ما عدا ذلك لا يتطرق إليه تحقيق الوعيد. الرابعة: قوله تعالى: لولا أي هلا; فيكون استفهاما. وقيل: " لا " صلة; فيكون الكلام بمعنى التمني. " فأصدق " نصب على جواب التمني بالفاء. " وأكون " عطف على " فأصدق " وهي قراءة ابن عمرو وابن محيصن ومجاهد. وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن-آيات قرآنية. وقرأ الباقون " وأكن " بالجزم عطفا على موضع الفاء; لأن قوله: " فأصدق " لو لم تكن الفاء لكان مجزوما; أي أصدق. ومثله من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم فيمن جزم. قال ابن عباس: هذه الآية أشد على أهل التوحيد; لأنه لا يتمنى الرجوع في الدنيا أو التأخير فيها أحد له عند الله خير في الآخرة. قلت: إلا الشهيد فإنه يتمنى الرجوع حتى يقتل ، لما يرى من الكرامة. تفسير الطبري يقول تعالى ذكره: وأنفقوا أيها المؤمنون بالله ورسوله من الأموال التي رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول إذا نـزل به الموت: يا ربّ هلا أخرتني فتُمْهَلَ لي في الأجل إلى أجل قريب.
فأصدّق يقول: فأزكي مالي ( وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) يقول: وأعمل بطاعتك، وأؤدّي فرائضك. وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت في خدمتك. وقيل: عنى بقوله: ( وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) وأحجّ بيتك الحرام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس وسعيد بن الربيع، قال سعيد، ثنا سفيان، وقال يونس: أخبرنا سفيان، عن أَبي جناب عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، قال: ما من أحد يموت ولم يؤدّ زكاة ماله ولم يحجّ إلا سأل الكرّة، فقالوا: يا أبا عباس لا تزال تأتينا بالشيء لا نعرفه؛ قال: فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله: ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) قال: أؤدي زكاة مالي ( وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال: أحجّ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أَبي سنان، عن رجل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: ما يمنع أحدكم إذا كان له مال يجب عليه فيه الزكاة أن يزكي، وإذا أطاق الحجّ أن يحجّ من قبل أن يأتيه الموت، فيسأل ربه الكرّة فلا يُعطاها، فقال رجل: أما تتقي الله، يسأل المؤمن الكرّة قال: نعم، أقرأ عليكم قرآنًا، فقرأ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فقال الرجل: فما الذي يوجب عليّ الحجّ، قال: راحلة تحمله، ونفقة تبلغه.