ومن الامور اللافتة أن عائلة سعد الحريري ما زالت في الرياض، ولم يتمكن -برغم توسيط محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي- من إجلائها الى ابو ظبي لسبب غير مفهوم إلا ان تكون رهينة سياسية بدلاً عنه. السبب الثاني الذي أبقى المسافة بعيدة بين الجانبين، هي إصرار بن سلمان على وضع الحريري في مواجهة حزب الله. دور محمد بن سلمان في انسحاب الحريري: من التصفية المالية الى السياسية - قناة العالم الاخبارية. ولعب رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع دوراً في تهشيم مكانة الحريري لدى ولي العهد السعودي، وأخذ يحل محله باعتباره النموذج المفضل في التعامل مع حزب الله، وصار السفير السعودي يلازم معراب (مقر جعجع) بالسر والعلن، مُوصدًا بابه أمام الحريري. وهذا السلوك السعودي أثار استغراب العديد من القيادات اللبنانية السنية التي تعتبر السعودية قبلة سياسية ودينية، وبالتالي من واجبها أن تساند قادة السنة في لبنان وليس قائد القوات اللبنانية الذي يخاطر من كيس غيره بهدف الإيقاع بين السنة والشيعة، وتحديدًا بين الحريري وحزب الله. وليس غريبًا أن مناصري الحريري صوّبوا مباشرة على محمد بن سلمان وهم يتظاهرون للتنديد بعزوفه المؤقت عن العمل السياسي، كما صوَّبوا على سمير جعجع الذي يحلم بقطف أصوات السنة وربما عدد من مقاعدهم النيابية في الانتخابات المقبلة عن طريق ترشيح من يوالون خطه السياسي.
هل فاجأ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أحدًا بإعلانه تعليق مشاركته في العمل السياسي؟ وما هو الدافع وراء ذلك؟ لولا استحقاق الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل، ربما لم يكن هناك ما يدفع الحريري للعودة الى بيروت واتخاذ موقف كالذي أعلنه قبل يومين. دور الامير محمد بن سلمان. وصل الحريري الى نقطة يأس بفعل الضغوط السعودية الهائلة التي ألقيت على كاهله، ولم تتزحزح هذه الضغوط برغم حرصه في الفترة الأخيرة على إبداء التضامن مع السعودية في كل مناسبة وعند كل عمل عسكري يمني يطال السعودية وعقب كل تصريح سياسي لبناني يتضمن انتقادًا للقيادة السعودية. كل جهوده لاستدراك وترميم هذه العلاقة واجهها الصدّ. و نشر الكاتب اللبناني علي عبادي علي موقع العهد الاخباري يقول: هناك سببان لاستبعاد الحريري من دائرة الحظوة المَلكية السعودية بعد طول احتضان: الأول سعودي - داخلي، وهو الأساس، والثاني سياسي - لبناني يتعلق بموقف الحريري من حزب الله، حيث طلب ولي العهد السعودي منه مواجهة الحزب، وهو ما اعتبر رئيس الحكومة السابق أنه يعني حربًا أهلية. من المفيد التوقف مليًا عند السبب الأول لأنه يضيء على الخلفية التي تُحرك العلاقة بين القيادة السعودية الحالية وسعد الحريري.
وبقيت هذه العلاقة وثيقة بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وتسلم ابنه سعد المسؤولية العامة السياسية والمالية محله. وبدأت الأمور تتغير مع تصدّر الجيل الثاني في العائلة السعودية الحاكمة المسؤولية. وكانت علاقة سعد الحريري مع محمد بن نايف وزير الداخلية (ولاحقًا ولي العهد) حساسة بعد تسريب تسجيل صوتي للحريري اعتُبر مسيئًا لبن نايف. كما أن محمد بن سلمان الذي جاء لاحقًا الى مسرح الأحداث كان ينظر الى الحريري على انه متحالف مصلحيًا مع منظومة أمراء وقفت في طريق وصوله الى السلطة. ولا بأس من الإشارة هنا الى أن كل من يمتّ الى عهد الملك عبد الله بصلة أصبح هدفًا لولي العهد الجديد بسبب توجه عبد الله في أواخر حياته الى توجيه بوصلة خلافته الى نجله الأمير متعب قائد الحرس الوطني عبر تعيين أخيه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز وليًا لولي العهد في الترتيب الثاني بعد الأمير سلمان ولي العهد. ولا بد أن الأخير فهم مغزى هذه الخطوة. دور محمد بن سلمان ملهم. وتسارعت التطورات بشكل مثير في الشهور الأخيرة من حياة عبد الله، حيث بات السباق للوصول إلى السلطة واضحًا من خلال التعيينات والمراسيم الملكية. وما إن وصل سلمان الى المركز الأول بعد وفاة عبد الله حتى نقض كل ما أبرمه سلفه، وأقال مقرن على الفور وعيّن بدلًا منه ابن شقيقه محمد بن نايف ولياً للعهد (على سبيل المناورة داخل العائلة الحاكمة) ووضع ابنه الأثير محمد بن سلمان على سكة الخلافة بتعيينه وليًا لولي العهد.
تصدر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المشاهد التي حظيت بمتابعة عالمية في قمة الـ20، من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وكذلك الساسة والمحللون، وأخذت هذه المشاهد وقتاً طويلاً من النقاشات ومساحة من الرصد عبر مختلف الوسائل جاذباً الأضواء والكاميرات. ورصدت المشاهد لحظات لقاءات بين ولي العهد ورؤساء الدول وتصدرت هذه اللقاءات اللقاء بين سمو ولي العهد والرئيس الروسي بوتين، لما شهد اللقاء من تعابير ضاحكة ومصافحة حارة، بالإضافة إلى مشهد لحاق أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية بسمو ولي العهد من أجل مصافحته، ولقاء سموه مع رؤساء الدول الكبار ومسؤوليها ومنها أمريكا والصين وإندونيسيا والمكسيك وكوريا الجنوبية وفرنسا وجنوب إفريقيا ورئيسة وزراء بريطانيا. وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً تويتر وانستقرام شهدا تداولاً واسعاً للقاءات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من خلال عدة هاشتاقات ومنها ما ضج وانشغل بولي العهد عبر تغريدات تويتر في وسم: #CrownPrinceInG20، وكذلك وسم #محمد_بن_سلمان_في_قمه_ال20، وبالإضافة إلى آخر تحت مسمى قمة لقاء محمد بن سلمان، وهي الهاشتاقات التي شهدت تغريدات بالآلاف حول تحركات ولقاءات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
واللافت أن هذه الاجراءات جميعًا اتُخذت بشكل متزامن، وتبعتها لاحقًا حملة على مجموعة كبيرة من الأمراء الذين احتُجزوا في فندق الريتز بالرياض. وأخذ بن سلمان على الحريري عدم ولائه له وأنه كان على علم بتحرك مزعوم من بعض الأمراء ضده ولم يبادر الى إخباره. وهكذا، كانت تصفية الحريري ماليًا مقدمة لتصفيته سياسيًا في لبنان، وتم استدراجه الى الرياض في تشرين الثاني 2017 بعدما بقي لمدةٍ بعيداً عنها خشية احتجازه مع الامراء، لكن وقع ما كان يخشاه، وكان ما كان من إجباره على تلاوة بيان استقالة من رئاسة الحكومة اللبنانية. رسالة قاسية .. "آسيا سهلة لأنكم أضعف من أن تشكلوا صعوبة على الهلال" | Goal.com. وبالرغم من أن المسألة سُويت ظاهريًا بعد تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصلحة إطلاق الحريري الذي يحمل الجنسية الفرنسية وعودته الى لبنان ومن ثم التراجع عن الاستقالة، فإن بن سلمان لم يغير طريقة تعامله مع الحريري، واستدعاه مرة أخرى الى الرياض في تشرين الأول 2018 عند الحاجة اليه دعائياً في ذروة أزمة بن سلمان في قضية تصفية جمال خاشقجي. ومن الامور اللافتة أن عائلة سعد الحريري ما زالت في الرياض، ولم يتمكن -برغم توسيط محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي- من إجلائها الى ابو ظبي لسبب غير مفهوم إلا ان تكون رهينة سياسية بدلاً عنه.
المصدر: سعودي ليكس