نعيش حياتنا كأن الموت مات، ثم إذا حل علينا ضيفا تذكرناه، فكأنما للتو عرفناه. وكذلك نعيش حياتنا في "سعادة وهناء" إلى أن تصفعنا المصيبة صفعة تَقْلبُ وجه السماء. فلا زُرقة بعد ولا صفاء. مصيبة أخرى تسمى: ابتلاء. الموت ابتلاء لكن سوء الخلق ابتلاء وشر وبلاء. أن تجد نفسك فريسة سهلة ولقمة سائغة لمن لا يعرف الحياء، لنفس مريضة مجنونة فرعونية الداء فهذا أكثر من ابتلاء. هذا أصعب امتحان، يوم يهان المرء أو يهان... هذا لعمري تمحيص من الله، الحديد لا يصبح صلدا إلا إذا امتُحن بالنار. واصبر علي ما اصابك ان ذلك. أتقول بأنك مؤمن؟ أتظن بأنك حَصَّنت نفسك بأذكار الصباح وبصلاة الفجر في وقتها قبل أن تضج الديكة بالصياح، أحسبت أنك داخلٌ الجنة بالصدقة مهما عظمت أو بالدعاء؟ أخِلت أنك بالغ منازل الصديقين لأنك بادرت جارك بالسلام أو استقبلت أخا لك بالابتسام؟ أحسبت أنك بالغ الدرجات العُلى فقط بشكرك للنعم وبالصبر إذا ما أصابك هم أوغم؟ ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة! أَحَسِبَ النَاسُ أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفْتنُون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمَنَّ الله الذين صدقوا وليعلمَنَّ الكاذبين (العنكبوت ٢-٣) مسكين أنت. بدأت يومك بالأعمال الصالحة، انشرَحَ صدركَ لأنك أعنت الآخرين.
أأسعدتهم أم أنك أسعدت نفسك؟ نحن نتداوى بمساعدة الآخرين. نفسك آمنة مطمئنة، تطمع في المزيد، ترنو إلى وصل ما انقطع فيذبحها حبل الوصال من الوريد إلى الوريد. نفسك تريد أن تُعَظّم شعائر الله، رمضان على الأبواب فإلى متى الجَفاء؟ تريد أن تصل رَحِمَك لكن رَحِمَك لا يَرْحَمُك. يأتيك صوته متشنجا مزمجرا هادرا كأمواج بحر عاتية، تركض خلفه، تريد أن تُذَوِّب الجليد وتختصر المسافات، فتجدُ بينكما بحارا ووديانا وجبالا راسيات. تحاول أن تنهي المكالمة بأخف الأضرار لكن البصائر عَمِيَتْ وعلى القلوب أقفالها فتنسحب تجر أذيال الخيبة والدمار. لكن الغضب يتملكك، فترسل رسالة ثورية على الظلم وتعلن تمردك. ويأتيك الجواب على قدر جرأتك، كيف تقول لا "وأنا ربكم الأعلى"؟ وتتذكر الصالحين الذين أهانهم السفهاء، وتتذكر الأنبياء، لكن نفسك الأبية لا تتحمل الظلم تتجمد الدموع في مقلتيك، فهناك مواقف يتوقف عندها الزمن. فلا دموع تسيل ولا عين تطرُف، وحده الألم! ألم مبرح يُلِمّ بك يعتريك، يجتاح قلبك يُعْيِيك. قلبك جندي مجندل في دمائه، أتعَبَتْه سنين حرب طويلة وأثخَنَتْه جراحه. اكتشف أشهر فيديوهات واصبر على ما اصابك | TikTok. طعنة في الصدر هزتك وأوقعتك ثم هزتك فنفضتك ثم أرسلتك. لا تستطيع البكاء، فهناك من المصائب ما لا ينفع فيه البكاء.
أمَّا بعد: فالغلوُّ في الدِّين في بني آدم قديم منذ قِدَم الأديان، وإن كان يَختلف في نوْعِه؛ لكن يجمع البشرَ اشتراكُهم في أصله؛ قال ابن عبَّاس في قوله - تعالى -: {وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]: "أسْماءُ رِجَالٍ صَالِحينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فلَمَّا هَلَكُوا أوْحَى الشَّيْطَانُ إلى قَوْمِهمْ أنِ انْصِبُوا إلى مَجالِسِهِم الَّتي كانُوا يَجْلِسُونَ أنْصَابًا، وسمُّوهَا بِأسْمائِهمْ، ففَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إذا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ"؛ رواه البخاري. فغلت طائفة من قوم نوح في هؤلاء الصَّالحين حتَّى عبدوهم، ولا زال الغلوّ في بني آدم من بعد ذلك، وممَّا أخبرنا به ربُّنا - عزَّ وجلَّ - في غلوّ مَن سبقنا قولُه تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ} [النساء: 171]، فلا زال الغلوّ في النَّصارى حتَّى اتَّخذوا المسيح وأمَّه إلهين من دون الله.
معنى الغلو لغةٍ واصطلاحًا حيث يوجد في الشريعة الإسلامية عدد كبير جدًا من الألفاظ الشرعية التي من الصعب التوصل إلى معناها ومدلولها الحقيقي لكن العلماء والائمة قاموا ببذل الكثير من الجهد لتفسير وتوضيح معاني تلك المصطلحات حتى لا يبقى هناك شيء غير مفهوم بالنسبة للأمة الإسلامية فيما يخص دينهم.
السؤال: ما رأيكم في الغلو في النبي ﷺ، حيث يقول بعضهم: إنه الأول والآخر والظاهر والباطن.. فما رأيكم في مثل هذا الاعتقاد فيه ﷺ؟ الجواب: الأول والآخر والظاهر والباطن هو الله ، قال تعالى في سورة الحديد: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] وقال النبي ﷺ في دعائه: اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر رواه الإمام مسلم في صحيحه. ما هو الغلوتين. فمن قال إن النبي ﷺ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، فهو كافر؛ لكونه وصف النبي ﷺ بأسماء أربعة مختصة بالله عز وجل لا يستحقها غيره، وهذا لا يقوله عاقل يفهم ما يقول. الأول والظاهر هو الله وحده سبحانه، وهو الذي قبل كل شيء وبعد كل شيء ، وهو الظاهر فوق جميع خلقه والباقي بعدهم والذي يعلم أحوالهم، والرسول ﷺ لا يعلم إلا ما علمه الله، وقد توفي عليه الصلاة والسلام ووجد بعد أن كان معدومًا، وجد في مكة بين أمه آمنة وأبيه عبدالله، وكان عدما قبل ذلك، ثم وجد من ماء مهين، وغيره من البشر كذلك، فالذي يقول: إنه الأول والآخر والظاهر والباطن فهو ضال ومرتد إن كان مسلمًا [1].
". وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من التجاوز والغلو في مدحه حتى لا تقع فيما وقع فيه اليهود والنصارى من الشرك بالله بسب غلوهم وتجاوزهم في حب ومدح أنبيائهم.. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أن ناساً قالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) رواه أحمد وصححه الألباني. وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تُطْروني (لا تتجاوزوا في مدحي) كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري. ما هو الغلو في الدين. وعن يحيى بن سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيُّها الناسُ! لا تَرْفَعُونِي فَوْقَ قدْري، فإنَّ الله اتَّخذني عبداً قبل أنْ يَتَّخِذَني نبيّا) رواه الطبراني وصححه الألباني. وعن الرُبَيِّع بِنْتَ مُعَوَّذ رضي الله عنها قالت: (دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي فجلس على فراشي وجُوَيْرِيات (بنات للأنصار صغيرات) يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ.. إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين (من الشِعر الذي لا مغالاة فيه)) رواه البخاري.
فالغالي هالك في الدّنيا قبل الآخرة، هالك حينما يستحلّ ما حرَّم الله من الاعتِداء على الأموال والأنفُس، وهالك في عدم ثباته وانْحِرافه، فتجِده متلوِّنًا، فلو استقْرينا التَّاريخ الماضي والحاضر لوجدنا كثيرًا من الغلاة حصَل لهم نكوص عن الاستِقامة، فاستبدلوا غلوَّهم في الإفراط بغلوّ في التَّفريط، وهذا أمر طبعي؛ فمَن كان يتعبَّد الله بالهوى لا يثبُت إنَّما يدور مع الهوى حيث دار، فإذا كانت بضاعة الخير هي الرَّائجة سلكها وإن كان للباطل صولةٌ سلكه. اللَّهمَّ يا ولي الإسْلام وأهله، ثبِّتْنا على السنَّة حتَّى نلقاك بها. الحمد لله رب العالمين، الَّذي أكرمنا بهذا الدّين وعصم به الدَّم والمال والعرض، والصَّلاة والسَّلام على مَن تركنا على البيضاء ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنْها بعده إلاَّ هالك. حكم الغلو في النبي ﷺ. وبعد: الأصل أنَّ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرَّمة من بعضهم على بعض، لا تحلّ إلاَّ بإذن الله ورسوله؛ قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في خطبته في حجَّة الوداع: ((إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليْكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا))؛ رواه مسلم. ومن أعظم الأمور الحُكْم على المسلم بالكفر والنّفاق، فهو حكم خطير له آثارُه العظيمة في الدُّنيا والآخرة، فلا يجوز أن يقْدِم عليه أحد إلاَّ أن يكون كفرًا بواحًا لا مِرْية فيه، عند الحاكم به بُرهان من كتاب الله أو سنَّة رسوله؛ فعن ابن عمر قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيّما امرئٍ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهما، إن كان كما قال وإلاَّ رجعت عليْه))؛ رواه البخاري ومسلم.
المصدر: ألقيت بتاريخ: 12/4/1429هـ مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 13/12/2009 ميلادي - 26/12/1430 هجري الزيارات: 26203 إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يهْدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلِل اللهُ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه.