وقال قتادة: المزمل في ثيابه ، وقال إبراهيم النخعي: نزلت وهو متزمل بقطيفة. وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: ( يا أيها المزمل) قال: يا محمد زملت القرآن.
والله - سبحانه - وهو يعد عبده ورسوله محمدا ليتلقى القول الثقيل.. اختار له قيام الليل ، لأن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا. ولأن له في النهار مشاغله ونشاطه الذي يستغرق كثيرا من الطاقة والالتفات: ( إن لك في النهار سبحا طويلا).. فلينقض النهار في هذا السبح والنشاط ، وليخلص لربه في الليل ، يقوم له بالصلاة والذكر. ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا).. وذكر اسم الله ، ليس هو مجرد ترديد هذا الاسم الكريم باللسان.. إنما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر ؛ أو هو الصلاة ذاتها وقراءة القرآن فيها. يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا. والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا الله ، والاتجاه الكلي إليه بالعبادة والذكر. ( رب المشرق والمغرب ، لا إله إلا هو ، فاتخذه وكيلا).. فهو رب كل متجه.. رب المشرق والمغرب.. وهو الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو. فالانقطاع إليه هو الانقطاع للحقيقة الوحيدة في هذا الوجود ؛ والتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في هذا الوجود. والاتكال على الله وحده هو الثمرة المباشرة للاعتقاد بوحدانيته ، وهيمنته على المشرق والمغرب ، أي على الكون كله.
أكثره أكثر من نصف الليل ودون ثلثيه. وأقله ثلث الليل.. قيامه للصلاة وترتيل القرآن. وهو مد الصوت به وتجويده. بلا تغن ولا تطر ولا تخلع في التنغيم. وقد صح عن وتر رسول الله بالليل أنه لم يتجاوز إحدى عشرة ركعة. ولكنه كان يقضي في هذه الركعات ثلثي الليل إلا قليلا ، يرتل فيه القرآن ترتيلا. وكان هذا الإعداد للقول الثقيل الذي سينزله الله عليه.. ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا).. هو هذا القرآن وما وراءه من التكليف.. والقرآن في مبناه ليس ثقيلا فهو ميسر للذكر. ولكنه ثقيل في ميزان الحق ، ثقيل في أثره في القلب.. وإن تلقي هذا الفيض من النور والمعرفة واستيعابه ، لثقيل ، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن الاستقامة على هذا الأمر بلا تردد ولا ارتياب ، ولا تلفت هنا أو هناك وراء الهواتف والجواذب والمعوقات ، لثقيل ، يحتاج إلى استعداد طويل. وإن قيام الليل والناس نيام.. والإتصال بالله ، وتلقي فيضه ونوره ، والأنس بالوحدة معه والخلوة إليه ، وترتيل القرآن والكون ساكن.. يا أيها المزمل قم الليل الا قليلا. إن هذا كله هو الزاد لاحتمال القول الثقيل ، والعبء الباهظ والجهد المرير الذي ينتظر الرسول وينتظر من يدعو بهذه الدعوة في كل جيل. ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا).. ( ناشئة الليل) هي ما ينشأ منه بعد العشاء ؛ والآية تقول: ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ): أي أجهد للبدن ، ( وأقوم قيلا): أي أثبت في.. فإن مغالبة هتاف النوم وجاذبية الفراش ، بعد كد النهار ، أشد وطأ وأجهد للبدن ؛ ولكنها إعلان لسيطرة الروح ، واستجابة لدعوة الله ، وإيثار للأنس به ، ومن ثم فإنها أقوم قيلا ، لأن للذكر فيها حلاوته ، وللصلاة فيها خشوعها ، وللمناجاة فيها شفافيتها.. وإنها لتسكب في القلب أنسا وراحة وشفافية ونورا ، قد لا يجدها في صلاة النهار وذكره.