قضى الله أن النصر ليس بقلة العدد ولا كثرته، ولكنه من لدن عزيز حكيم. وانظر في الآية التي قبلها: { وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ}، أي وما وعدكم الله في بدر من إمداده إياكم بالملائكة إلا بشرى يبشِّركم بها ولتطمئن قلوبكم به، فتسكن إليه، ولا تجزع من كثرة عدوكم وعتاده، وقلة عددكم ومؤونتكم { وما النصر إلا من عند الله}. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأنفال - الآية 10. يعني: وما ظفركم إن ظفرتم بعدوكم إلا بعون الله، لا من قِبَل المدد الذي يأتيكم من الملائكة ، فعلى الله فتوكلوا، وبه استعينوا، لا بالجموع وكثرة العدد، فإنَّ نصركم من عند الله وحده لا من عند غيره. لكن.. ما مراد الآية؟ مراد الله أن لا يركن المؤمنون إلى الأسباب، وأعلمهم أن الملائكة وإن حضروا وقاتلوا، ليستعينوا به ويتوكلوا عليه، والإمداد بالملائكة مجرد بُشرى، وطمأنة لقلوبهم، لما هو مغروس في طبائع البشر من الضعف، فأما حقيقة النصر فهو من عند الله وحده، وهو تخليصٌ لقلوب العباد من التعلق بغير الله، ولهذا قال ابن زيد: "لو شاء أن ينصركم بغير الملائكة فعَل"[1]. ولهذا علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم الاستعانة بالله وحده خاصة عند الشدائد واحتدام القتال حيث "كان إذا غزا قال: « اللهم أنت عَضُدي وأنت نصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل »[2].
السؤال: كيف قيل في آية آل عمران: "ومن يغفر الذنوب إلا الله" (آل عمران 135)، وقيل في آية أخرى: "وإذا ما غضبوا هم يغفرون" (الشورى 37)، وفي آية ثالثة: "قل للذين آمنوا يغفروا.. " (الجاثية 14) فقصر سبحانه المغفرة على نفسه في الآية الأولى، ونسب فعلها للمؤمنين في الآيتين الأخريين، فما سبب ذلك؟ الجواب: المعنى المقصود في الآية الأولى: ومن يستر الذنوب من جميع الوجوه إلا الله. تفسير: (وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم). ومثل هذا الغفران المطلق الكامل لا يوجد إلا من الله تعالى. أما غفران عباده بعضهم لبعض فهو غفران ناقص إذا قيس بغفرانه تعالى. والله أعلم.
وهكذا تكرر اصطلاح «الاستدراج» في موضعَين من القرآن الكريم، هما: الآية 182 من سورة الأعراف، والآية 44 من سورة القلم، وقد تشابهت الآيتان في التعبير: "سَنستَدْرِجُهم مِن حيثُ لا يَعلمون". وما النصر الا من عند الله العزيز الجبار. ولكن ما معنى " الاستدراج " في الاستعمال القرآني: يقال: استَدرجَه أي: رَقّاه من درجة إلى درجة، أو أنزله على التدريج. ويماثل الاستدراج المكر والإمهال الإلهيّ للعبد العاصي، وجعله إيّاه متدرّجاً في معصيته، سادراً في هواه، حتّى يُشرف على الهلاك. تماما كما قال الله تعالى: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}آل عمران 54، وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}النمل50، وقوله عز وجل: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}الأنفعال30، وقال تعالى أيضا: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}آل عمران 178. والمعنى: ولا يظننَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم، ومتعناهم بمُتع الدنيا، ولم تؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم، وصرنا عليهم، أنهم قد نالوا بذلك خيراً لأنفسهم، إنما نؤخر عذابهم وآجالهم; ليزدادوا ظلماً وطغياناً، ولهم عذاب يهينهم ويذلُّهم.
فقتل أبي جهل في معركة القتال وحومة الوغى ، أشد إهانة له من أن يموت على فراشه بقارعة أو صاعقة أو نحو ذلك ، كما مات أبو لهب - لعنه الله - بالعدسة بحيث لم يقربه أحد من أقاربه ، وإنما غسلوه بالماء قذفا من بعيد ، ورجموه حتى دفنوه ؛ ولهذا قال تعالى: ( إن الله عزيز) أي: له العزة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى: ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد [ يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم]) [ غافر: 51 ، 52]) حكيم) فيما شرعه من قتال الكفار ، مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم ، بحوله وقوته ، سبحانه وتعالى.
الخطبة الأولى الحمد لله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعزَّ جنده وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، قائد القادات وسيِّد المجاهدين، سيدنا محمَّد صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعد إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)) ( النصر:1-3).
(الدعاء) تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)