ثم يصف الشاعر جمال هند، وهي امرأة جميلة، لينة الملمس، لذيذة المذاق، بيضاء الاسنان، اما عينيها ففي طرفيهما شدة بياض وسواد، والعنق ناعم، وفي الصيف تنبعث برودة من جسمها، وفي الشتاء تكون دافئة لمحبوبها، كي لا يشعر بالبرد. [2] مقتطفات من شعر عمر بن أبي ربيعة تظهر حزنه على فراق هند: أَراكِ يا هِندُ في مُباعَدَتي مُعتَلَّةً لي لِتَقطَعي سَبَبي هِندُ أَطاعَت بِيَ الوُشاةَ فَقَد أَمسَت تَراني كَعُرَّةِ الجَرِبِ يا هِندُ لا تَبخَلي بِنائِلِكُم عَنّا فَلَم أَقضِ مِنكُمُ أَرَبي [3]
ثم أقبلتْ وجهها السماءَ ومدَّت بيديها تدعو: "اللهمَّ إني قد سلَّمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيتَ له، فأثبني في عبدالله ثوابَ الشاكرين الصابرين، اللهمَّ ارحم طولَ ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب، وبرَّهُ بأبيه وبي".
قال: فأناخ وأناخا ليتحول عليها فلما استووا بالأرض عدوا عليه فأوثقاه وربطاه ثم دخلا به مكة وفتناه فافتتن.. قال ابن إسحاق: فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة: أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارًا موثَّقًا ثم قالا: يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا.
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بالناس فمر بين أيديهم حمار فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله سبحان الله سبحان الله، فلمَّا سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من المسبح آنفًا سبحان الله قال: أنا يا رسول الله، إنِّي سمعت أنَّ الحمار يقطع الصلاة، قال: لا يقطع الصلاة شيء.
وأطرقت أسماءُ إطراقةً، ثم رفعت رأسها تُومِئُ إلى الخشبة، فوالله لقد رعدت فرائصي حتى تَزَايلتْ أوْصالي، وصَرَّ الناسُ كأنما تقصَّفت أصلابُهم [11] ، وإذا هي تقول: "أَلاَ منْ مُبْلغ الحجَّاج أن المُثْلَة سبَّة للحيِّ وما تضرُّ الميِّت، ألا مَنْ يُبْلِغ الحجَّاجَ عنِّي أن الشَّاةَ إذا ذُبِحَتْ لم تألم السَّلْخَ". عمر بن ابي ربيعة تدريب على المقال الأدبي. وحامتْ أسماءُ وطافت بين الناس وبين هذه الخشبة ساكنةً صابرةً، لا يُرَى إلاَّ بريق وجهها يومِضُ كأنه سيف صَقِيل، ثم طفقت تردِّد: " يا بَنِيَّ، أمَا آن لهذا الراكبِ أن ينزل؟! أَمَا آن لهذا الراكب أن ينزل؟! يا بَنِيَّ، ليستأذنْ أحدُكم حَجَّاجَكمُ هذا أن يَدفَع إليَّ هذه العظام، أدُّوا عني، يرحم الله من أدَّى عنِّي". فيجيء الرَّسول من قِبل الحجاج يأبَى عليها أن تُدْفَعَ إليها عظَامُ ابنها المصلوب، ويَجيءُ على أثره موكَّلون قد وكَّلهم بجثَّته يقومون عليها يَحرسونها، كأنَّما خَشِي أن يَحيا ميتٌ قد حُزَّ رأسه أن تمسَّهُ يَدُ أُمِّه، فوالله، فوالله، لقد سمعتْ أسماءُ وخُبِّرتْ فما زادت على أن وَلَّتْ عنهم كما جاءت ما تقطر من عينيها قطرةُ دمْع، وما تُجاوز قومًا إلا جاوزتهم كأنَّهم فُسطاطٌ يتقوَّض، حتى ولجتْ بابَها وغلَّقَته عليها.
فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل: إنَّ ناقتي كلَّت فاحملني معك. قال عياش: نعم ونزل ليوطئ لنفسه ولأبي جهل. فأخذاه وشدَّاه وثاقًا وذهبا به إلى أمِّه فقالت له: لا تزال بعذابٍ حتى ترجع عن دين محمد وأوثقته عندها. قال ابن إسحاق: عياش بن أبي ربيعة بن المغيرة هاجر إلى المدينة ولحق به أخواه لأمه أبو جهل بن هشام والحارث بن هشام فرجعا به إلى مكة فحبساه فيها حتى مضى بدر وأحد والخندق.. وقال ابن هشام: خرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما حتى قدما علينا المدينة ورسول الله صلى عليه وسلم بمكة فكلماه وقال: إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ولا تستظل من شمس حتى تراك فرق لها فقلت له: يا عياش إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت قال: فقال: أبر قسم أمي ولي هنالك مال فآخذه. قصة عمر بن أبي ربيعة مع هند | المرسال. قال: فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا فلك نصف مالي ولا تذهب معهم. قال: فأبى علي إلا أن يخرج معهما فلما أبى إلا ذلك قال: قلت له: أما إذ قد فعلت ما فعلت فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول فالزم ظهرها فإن رابك من القوم ريب فانج عليها.. فخرج عليه معهما حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: يا ابن أخي والله لقد استغلظت بعيري هذا أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟ قال: بلى.
بعض ما روى عياش بن أبي ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم: عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ هَلَكُوا ". وعنه رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " تخرج ريحٌ بين يدي الساعة تقبض فيها أرواح كل مؤمن ". عن حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام و عكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة أثبتوا يوم اليرموك فدعا الحارث بشراب فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعوه إلى عكرمة فدفع إليه فنظر إليه عياش بن أبي ربيعة فقال عكرمة: ادفعوه إلى عياش فما وصل إلى أحد منهم حتى ماتوا جميعا وما ذاقوه. وقيل: إنَّه تُوفِّي بمكة.. متى توفي؟ مات سنة خمس عشرة بالشام في خلافة عمر وقيل استشهد باليمامة وقيل باليرموك. مات في أيام عمر رضي الله عنه من الأعلام: عتبة بن غزوان والعلاء بن الحضرمي.. وعياش بن أبي ربيعة.. أين دفن؟ دفن بـ اليرموك ؛ حيث استشهد رضي الله عنه. المراجع: - الإصابة. - الاستيعاب. تحميل كتاب عمر بن أبي ربيعة PDF - مكتبة نور. - أسد الغابة. - الطبقات الكبرى. - المعجم الكبير. - سيرة ابن هشام. - تاريخ الخلفاء.