والتورية هنا مرشّحة لاقترانها بما يلائم المعنى القريب. المثال الثالث: قول الشاعر: *أَيُّهَا الْمُعْرِضُ عَنَّا * حَسْبُكَ اللَّهُ تَعَالَ* كلمة "تَعَالَ" لها معنيان: المعنى القريب هو الثناء على الله بالعلوّ، وهو يلائم لفظ الجلالة "الله" والمعنى الآخر وهو الدعوة إلى الحضُور، وهو يلائم عبارة: "أيُّها المعرض عنّا". المثال الرابع: قول سراج الدين الورّاق شاعر مصري (615- 695هـ). *أَصُونُ أَدِيمَ وَجْهِي عَنْ أُنَاس * لِقَاءُ الْمَوْتِ عِنْدَهُمُ الأَدِيبُ* *وَرَبُّ الشِّعْرِ عِنْدهُمُ بَغِيضٌ * وَلَوْ وَافَى بِهِ لَهُمُ حَبِيبُ* كلمة "حبيب" لا يريد بها المعنى القريب وهو المحبوب، بل يريد بها المعنى البعيد، وهو اسم أبي تمّام الشاعر: "حَبِيبُ بن أوس". وهذه من التورية المجرّدة. التورية والرمز في القرآن الكريم. المثال الخامس: قول الشابّ الظريف "شمس الدين بن العفيف التلمساني" (662 - 687هـ): *تَبَسَّمَ ثَغْرُ اللَّوْزِ عَنْ طِيب نَشْرِهِ * وأَقْبَلَ فِي حُسْنٍ يَجِلُّ عَنِ الْوَصْفِ* *هَلُمُّوا إلَيْهِ بَيْنَ قَصْفٍ ولَذَّةٍ * فَإِنَّ غُصُونَ الزَّهْرِ تَصْلُحُ لِلْقَصْفِ* كلمة "القصف" في قافية البيت الثاني لها معنيان: المعنى الأول هو الكسْرُ، فغُصُون الزهر تُكْسَرُ عن شجرتها، للاستمتاع بزينتها، وهذا المعنى غير مراد.
قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَة). قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ). قال تعالى: ( اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ). التورية في الحديث النبوي الشريف: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ، قَالَ فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ. قَالَ فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ. قول الرَّسول – صلى الله عليه و سلم – فى خروجه إلى بدر, وقيل له: من أين أنتم ؟ فقال: من ماء.
تعريفها: أن يُذكر لفظ له معنيان قريب ظاهر غير مراد وبعيد خفي هو المراد. الأمثلة: 1- ما ورد في السيرة أن رجلًا سأل أبا بكر حين كان مهاجرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم: مَن هذا؟ يعني رسول الله, فقال أبو بكر مُوَريًا: هادٍ يهديني, فظن الرجل أنه يقصد الدليل على الطريق, وأبو بكر قصد هاديًا إلى النور والإيمان. 2- ما ورد أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان سائرًا بأصحابه في غزوة بدر، لقِيهم أعرابي، فسألهم: ممن القوم؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم نحن من ماء, فأخذ الرجل يفكر ويقول: ماء، ماء؟! يظنها قبيلة, والنبي صلى الله عليه وسلم يقصد أنهم مخلوقون من ماء. 3- ما نُقل عن بعض السلف أنه حين امتُحن في خلق القرآن أشار بأصابعه، وقال: أشهد أن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وصُحف إبراهيم مخلوقة, وهو يقصد أصابعه الخمسة. ملاحظة: تختلف التورية عن الجناس في أن: • الجناس لا بد فيه من تكرار الكلمة مرتين بخلاف التورية. • المعنيان مرادان في الجناس بخلاف التورية. • المعنيان في الجناس سواء من حيث القرب والبعد بخلاف التورية. تمرينات: حدِّد موضع التورية في الأمثلة التالية مبينًا المعنى القريب والبعيد: 1- دخل أحد الأدباء على صديق له عُينَ وكيلًا لإحدى الكليات، فقال الأديب: حسبنا الله ونعم الوكيل.