وهكذا يضيع منه الأجر. الشيطان يحاول -إذن- أن يدخل علينا من باب لا نفطن إليه وهو باب الطاعة. أما الجواب عن السؤال الثاني فقد أجاب عنه الشيخ الشعراوي بما حاصله: إن الحق سبحانه إذا قال: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} تكون طاعة الله في الحكم العام، وطاعة الرسول في تفصيل الحكم، والمثال على هذا قول الحق سبحانه: {ولله على الناس حج البيت} (آل عمران:97)، هنا نطيع الله في الحكم العام وهو فَرْض الحج على المستطيع، ونطيع الرسول في تفصيل أعمال الحج؛ لأن التفصيل لم يأت في القرآن، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني مناسككم) رواه البيهقي في "السنن الكبرى". وعندما يقول سبحانه: {وأطيعوا الله والرسول} فهذا يعني أن هناك أمراً واحداً قد صدر من الله، وصدور الفعل وحصوله من الرسول صلى الله عليه وسلم يكون للقدوة والأسوة وتوكيداً للحكم. وإذا كان الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم فحسب، ولم يرد فيه شيء من الله، فهو أمر صدر بتفويض من الله بناء على قول الحق تعالى: {ومآ آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (الحشر:7). وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة – اجمل واروع الصور الاسلامية والدينية 2020. وهكذا نجد أنه لا تلتبس طاعة بطاعة، ولا تتناقض طاعة مع طاعة.
[2] - ورد قوله تعالى:(أطيعوا) فى القرآن الكريم تسع عشرة مرة هذه المواضع و قوله تعالى: ( و أطيعوا أمرى) [طه:90]،( و أطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) [النور:56]، (و اسمعوا و أطيعوا) [التغابن:16] من كتاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمود فؤاد عبد الباقى ص 430 ط دار الحديث - القاهرة.
وإن كان الإنسان قد أوصد بعض السبل أمام الشيطان، فلا يستطيع مثلاً إغراءه بالسرقة، أو شرب الخمر، أو الزنى، لا يتركه وشأنه، بل يدخل إليه من باب الطاعة، فمثلاً، يأتي الشيطان إلى الإنسان لحظة الوضوء، وينسيه هل غسل هذه اليد، أو تلك، وهل أسبغ الوضوء، أم لا؟ أو يأتي الشيطان إلى المؤمن لحظة الصلاة، فينسيه عدد الركعات، أو عدد السجدات، وهكذا يدخل الشيطان على العبد من ناحية الطاعة. إذن، فمعنى قوله سبحانه: {واحذروا} أي: احذر أيها العبد أن يحتال الشيطان عليك؛ لأنه سيحاول أن يدخل عليك من كل مدخل، يدخل على المسرف على نفسه بالمعصية، وأشد أعمال الشيطان على المؤمنين هي أن يدخل عليهم من باب الطاعة؛ ولذلك قال الحق: {واحذروا} وكثيراً ما نجد الإنسان منا ينسى موضوعاً ما، وحين يأتي إلى الصلاة، فهو يتذكر هذا الموضوع. والشيطان لا يترك الإنسان في مثل هذه الحالة، فقد أقسم كما أخبر سبحانه عنه بقوله: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين} (ص:82). وقال عز وجل: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} (الأعراف:16). إنه أقسم أن يقف على الطريق المستقيم لا على الطريق المعوج. ومثال ذلك عندما يتصدق إنسان بصدقة، قد يعلنها ويقول: لقد تصدقت أكثر من فلان.