أيها الإخوة: لقد اهتم الإسلام بإصلاح ذات البين؛ حفاظاً على وحدة المسلمين وسلامة قلوبهم, واعتبر الإصلاحَ من أعظم وأجل الطاعات وأفضل الصدقات، وادخر الله للمصلح الأجر العظيم والثواب الجزيل إذا ابتغى بإصلاحه وجه الله -تعالى-؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ"؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: "صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ". وفي رواية أَنَّهُ قَالَ: "هِيَ الْحَالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ". رواه الترمذي وصححه الألباني. ومعنى إصلاح ذات البين أي إصلاح ما بين المتخاصمين أو المتهاجرين حتى يزول ما بينهما من البين وهو الفرقة. وفساد ذات البين هي التي تحلق الدين -أي تستأصله وتزيله- والبين ثلمةٌ فيه؛ فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجةً فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه. معني اصلاح ذات البين عمر الكافي يتوب يوب. أيها الإخوة: كم في مجتمعات المسلمين اليوم من الخلافات والمنازعات التي تحتاج إلى رجالٍ ذوي رأي سديد يحلون محكَمها، ويطفئون سعيرَ لظاها.
كم قطيعة كادت أن تكون بين أخوين، أو صديقين، أو قريبين، بسبب زلة أو هفوة، وإذا بهذا المصلح يرقِّع خرق الفتنة ويصلح بينهما. كم عصم الله بالمصلحين من دماء وأموال وفتن شيطانية، كادت أن تشتعل لولا فضل الله ثم هؤلاء المصلحين الأخيار. فهنيئاً أيها المسلمون لمـن وفقـه الله للإصلاح بين متخاصمين أو زوجين أو جارين أو صديقين أو شريكين أو طائفتين. ومما يدل على عظم فضيلة الإصلاح بين الناس أن الإسلام أباح الكذب للإصلاح بين أهل الخصومة، والمقصود بالكذب المبالغة في وصف جانب الخير، والتأكيد على وجوده عند طرفي الخصام تأليفاً للقلوب، وأنّ ما حصل من خلاف ليس مقصوداً. إصلاح ذات البين إصلاح ذات البين أهمية الإصلاح وسائل إصلاح ذات. قال صلى الله عليه وسلم:(لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْراً أَوْ يَقُولُ خَيْراً) رواه أحمد، وقال أحد العلماء: (إن الله أحب الكذب في الإصلاح وأبغض الصدق في الإفساد) فتنبهوا لذلك. إن علينا أن ندرك أننا بشر، فالخلاف بيننا أمر طبيعي، وقلَّ من يسلم منه، فقد يكون بينك وبين أخيك، أو قريبك، أو زوجك، أو صديقك شيء من الخلاف.. هذا أمر كثيراً ما يحصل، وعلينا أن نتحرَّر من ذلك بالصلح، والمصافحة، والمصالحة، والتنازل، والمحبة، والأخوة، حتى تعود المياه إلى مجاريها.
هناك خلافات زوجية أحالت بيوتات المسلمين إلى جحيم لا يطاق، يحترق بسعيره الأولاد الذين هم عُدة المستقبل وأمل الأمة بعد الله؛ بالله عليكم كيف لطفلٍ يرى المنازعات بين أبويه صباح مساء، وربما رأى الضرب المبرح لأمه أن يكون عضواً صالحاً في المجتمع؟. وهناك خلافات بين الإخوة وأبناءِ العمومة على ميراث وغيره خلافاً أحال الصلةَ إلى قطيعة، والمحبة إلى بغضاءَ وضغينة، والألفةَ إلى فُرقةٍ، والتوقيرَ والتقدير إلى ازدراء، ونسي هؤلاء قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ". قال القاضي عياض: "الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني وليست بجسم، وإنما هي قرابة ونسب تجمعه رحم والدة، ويتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحما والمعنى لا يتأتى منه القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك، والمراد تعظيم شأنها وفضيلةُ واصليها وعظيمُ إثمِ قاطعيها".