حالا من القول المقدر، أي: فيقال لهم ما يقال، والحال أنهم مع ما فعلوا من الإقسام المذكور مع ما ينافيه من السكون في مساكن المهلكين، وتبين أحوالهم، وضرب الأمثال قد مكروا مكرهم العظيم، أي: لم يكن الصادر عنهم مجرد الإقسام الذي وبخوا به، بل اجترءوا على مثل هذه العظيمة، وقوله تعالى: "وعند الله مكرهم" حال من ضمير "مكروا" حسبما ذكرنا من قبل، وقوله تعالى: "وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" مسوق لبيان عدم تفاوت الحال في تحقيق الجزاء بين كون مكرهم قويا أو ضعيفا كما مر هناك. وعلى تقدير كون أن نافية، فهو حال من ضمير مكروا، والجبال عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أي: وقد مكروا. والحال أن مكرهم ما كان لتزول منه هاتيك الشرائع، والآيات التي هي في القوة كالجبال، وعلى تقدير كونها مخففة من الثقيلة، واللام مكسورة يكون حالا منه أيضا على معنى: أن ذلك المكر العظيم منهم، كان لهذا الغرض على معنى: أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك لما أن شأن الشرائع أعظم من أن يمكر بها ماكر، وعلى تقدير فتح اللام فهو: حال من قوله تعالى: "وعند الله مكرهم" كما ذكرنا من قبل. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة ابراهيم - الآية 46. فليتأمل:
وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وقد مكروا مكرهم حال من الضمير الأول في فعلنا بهم، أو من الثاني، أو منهما جميعا، وإنما قدم عليه قوله تعالى: وضربنا لكم الأمثال لشدة ارتباطه بما قبله، أي: فعلنا بهم ما فعلنا، والحال أنهم قد مكروا في إبطال الحق، وتقرير الباطل مكرهم العظيم الذي استفرغوا في عمله المجهود، وجاوزوا فيه كل حد معهود بحيث لا يقدر عليه غيرهم، فالمراد بيان تناهيهم في استحقاق ما فعل بهم، أو قد مكروا مكرهم المذكور في ترتيب مبادئ البقاء، ومدافعة أسباب الزوال، فالمقصود: إظهار عجزهم، واضمحلال قدرتهم، وحقارتها عند قدرة الله تعالى. وعند الله مكرهم أي: جزاء مكرهم الذي فعلوه على أن المكر مضاف إلى فاعله، أو أخذه تعالى بهم، على أنه مضاف إلى مفعوله، وتسميته مكرا لكونه بمقابلة مكرهم وجودا وذكرا، أو لكونه في صورة المكر في الإتيان من حيث لا يشعرون، وعلى التقديرين فالمراد به: ما أفاده قوله عز وجل: كيف فعلنا بهم لا أنه وعيد مستأنف، والجملة حال من الضمير في مكروا، أي: مكروا مكرهم، وعند الله جزاؤه، أو ما هو أعظم منه، والمقصود بيان فساد رأيهم حيث باشروا فعلا مع تحقق ما يوجب تركه.
( ما كان الله ليذر المؤمنين) [ آل عمران: 179]. والجبال ههنا مثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولأمر دين الإسلام وإعلامه ودلالته على معنى أن ثبوتها كثبوت الجبال الراسية ؛ لأن الله تعالى وعد نبيه إظهار دينه على كل الأديان. ويدل على صحة هذا المعنى قوله تعالى بعد هذه الآية: ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) [ إبراهيم: 47] أي قد وعدك الظهور عليهم والغلبة لهم. الباحث القرآني. والمعنى: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال ، أي وكان مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال الراسيات التي هي دين محمد صلى الله عليه وسلم ودلائل شريعته ، وقرأ علي وعمرو: " أن كان مكرهم ".
الجبال: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى مكر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى زال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف. ↑ "تعريف و معنى الجبال في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف. ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف. ↑ "القاعدة الثامنة عشرة: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه)" ، ، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-20. بتصرّف.