واعلم أن من كان أبكم أصم فإنه مكلف بقدر ما يمكن له أن يفهمه بالنظر.
- الفرق بين الأصم والأبكم
الفرق بين الأصم والأبكم
وما ذهب إليه جمهور العلماء من سقوط التحريك هو الأقرب. قال ابن قدامة المقدسي: " فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ ، أَوْ عَاجِزًا عَنْ
التَّكْبِيرِ بِكُلِّ لِسَانٍ: سَقَطَ عَنْهُ... ولَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيكُ
لِسَانِهِ فِي مَوْضِعِهِ كَالْقِرَاءَةِ... الفرق بين الأصم والأبكم. ؛ لِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ مِنْ
غَيْرِ نُطْقٍ: عَبَثٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ ، فَلَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ
، كَالْعَبَثِ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ " انتهى من "المغني" بتصرف (2/130). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِرَاءَةَ ، وَلَا
الذِّكْرَ ، أَوْ الْأَخْرَسُ: لَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ حَرَكَةً مُجَرَّدَةً ،
وَلَوْ قِيلَ إنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ كَانَ أَقْرَبَ ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ
يُنَافِي الْخُشُوعَ ، وَزِيَادَةٌ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ" انتهى من "الفتاوى
الكبرى" (5/ 336)
والحاصل:
أنه يأتي بما يستطيع من أركان الصلاة ، ويسقط عنه ما عجز عن عنه من التكبير وقراءة
الفاتحة وأذكار الركوع والسجود والتشهد. وهذا عام في جميع أحواله: فكل ما عجز عنه: لا يؤاخذ به. قال الشيخ ابن عثيمين: " الأصم الأبكم من فقد حاستين من حواسه ، وهما السمع والنطق
، ولكن بقي عليه النظر ، فما كان يدركه من دين الإسلام بالنظر ؛ فإنه لا يسقط عنه ،
وما كان لا يدركه ؛ فإنه يسقط عنه.
إن الإنسان يغرق في التفاهات و يحب الكماليات و لا يعبأ بالضروريات,
و عندما يظلم لا يعي بظلمه, و عندما يقع عليه الظلم يبكي و ينوح و يستنجد بالناس,
الإنسان تبتلعه المظاهر و يسجد للمال و البنون, فكيف له أن يستوعب حكمة الأعمى و
الأبكم و الأصم, و يبقى بصيص من نور ألا و هو نور البصيرة الذي يتخلل أعماق بعض
الناس الذين يتألمون و يتعذبون في الدنيا و يفهمون الابتلاء فيستوعبون الحكمة و
يحمدون الله على كثرة النعم التي حباهم إياها سبحانه و تعالى. إذا تكلم الناس عن
الأعمى و الأبكم و الأصم فلن ينتهي الكلام و إذا ناقشوا معاناتهم فسيطول الحوار, و
يظل قائما بين السالمين الدمار, خذوا العبرة من الأعمى و الأبكم و الأصم فذاك أعظم
انتصار.