[ ص: 495] القول في تأويل قوله ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون ( 58)) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والبلد الطيبة تربته ، العذبة مشاربه ، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحياة ، بإذنه ، طيبا ثمره في حينه ووقته. والذي خبث فردءت تربته ، وملحت مشاربه ، لا يخرج نباته إلا نكدا يقول: إلا عسرا في شدة ، كما قال الشاعر: لا تنجز الوعد ، إن وعدت ، وإن أعطيت أعطيت تافها نكدا يعني ب " التافه " ، القليل ، وب " النكد " العسر. يقال منه: " نكد ينكد نكدا ، ونكدا فهو نكد ونكد " ، والنكد ، المصدر. ومن أمثالهم: " نكدا وجحدا " ، " ونكدا وجحدا ". و " الجحد " ، الشدة والضيق. ويقال: " إذا شفه وسئل: قد نكدوه ينكدونه نكدا " ، كما قال الشاعر: وأعط ما أعطيته طيبا لا خير في المنكود والناكد واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه بعض أهل المدينة: ( إلا نكدا) ، بفتح الكاف. [ ص: 496] وقرأه بعض الكوفيين بسكون الكاف: ( نكدا). وخالفهما بعد سائر القرأة في الأمصار ، فقرءوه: ( إلا نكدا) ، بكسر الكاف. كأن من قرأه: " نكدا " بنصب الكاف أراد المصدر. وكأن من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها ، فسكنها على لغة من قال: " هذه فخذ وكبد " ، وكان الذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر " النون " من " نكد " حتى يكون قد أصاب القياس.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأه: ( نكدا) ، بفتح " النون " وكسر " الكاف " ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه. وقوله: " كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون " ، يقول: كذلك: نبين آية بعد آية ، وندلي بحجة بعد حجة ، ونضرب مثلا بعد مثل ، لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية ، وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة ، باتباعهم ما أمرهم باتباعه ، وتجنبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه ، مثل للمؤمن والذي خبث فلا يخرج نباته إلا نكدا ، مثل للكافر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 14786 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله: [ ص: 497] " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا " ، فهذا مثل ضربه الله للمؤمن. يقول: هو طيب ، وعمله طيب ، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي يخرج منها النز فالكافر هو الخبيث ، وعمله خبيث. 14787 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله: " والبلد الطيب " ، و " الذي خبث " قال: كل ذلك من الأرض السباخ وغيرها ، مثل آدم وذريته ، فيهم طيب وخبيث.
تاريخ الإضافة: 1/8/2017 ميلادي - 9/11/1438 هجري الزيارات: 38194 تفسير: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون) ♦ الآية: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: الأعراف (58). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ضرب مثلاً للمؤمن والكافر فقال: ﴿ والبلد الطيب ﴾ يعني: العذبُ التُّراب ﴿ يخرج نباته بإذن ربه ﴾ وهذا مثل المؤمن يسمع القرآن فينتفع به ويحسن أثره غليه ﴿ والذي خبث ﴾ ترابه وأصله ﴿ لا يخرج ﴾ نباته ﴿ إلاَّ نكداً ﴾ عسراً مُبطئاً وهو مثل الكافر يسمع القرآن ولا يُؤثِّر فيه أثراً محموداً كالبلد الخبيث لا يُؤثِّر فيه المطر ﴿ كذلك نصرِّف الآيات ﴾ نبيِّنها ﴿ لقوم يشكرون ﴾ نِعَمَ الله ويطيعونه. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قوله تعالى: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ﴾، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْبَلَدِ الطَّيِّبِ يُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَيَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، ﴿ وَالَّذِي خَبُثَ ﴾، يريد الأرض السبخة التي،﴿ لَا يَخْرُجُ ﴾نَبَاتُهَا، ﴿ إِلَّا نَكِداً ﴾، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا، أَيْ: عُسْرًا قَلِيلًا بِعَنَاءٍ وَمَشَقَّةٍ.
فكذلك القلوب لما نـزل القرآن، فالقلب المؤمن لما دخله القرآن آمن به وثبت الإيمان فيه، والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه، ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلا ما لا ينفع، كما لم يُخْرِج هذا البلد إلا ما لا ينفع من النبات. 14791 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا " ، قال: الطيب ينفعه المطر فينبت، " والذي خبث " السباخُ، لا ينفعه المطر، لا يخرج نباته إلا نكدًا. قال: هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم، إنما خلقوا من نفس واحدة، فمنهم من آمن بالله وكتابه، فطابَ. ومنهم من كفر بالله وكتابه، فخَبُث. --------------------- الهوامش: (1) م أعرف قائله. (2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 217 ولسان العرب (تفه). (3) "شفه الرجل" (بالبناء للمجهول) ، إذا كثر سؤال الناس إياه فأعطى حتى نفد ما عنده فأفنى ماله. "فهو مشفوه" ومثله "منكود ، ومثمود ، ومعروك ، ومعجوز ، ومصفوف ، ومكثور عليه". ويقال: "ماء مشفوه" ، كثير الشاربة ، وكذلك الماء والطعام. (4) م أعرف قائله. (5) اللسان (نكد) ، وقد ذكرت البيت آنفًا 1: 442 ، تعليق: 1 (6) انظر تفسير "التصريف" فيما سلف 3: 275 ، 276/ 11: 356 ، 433/ 12: 25 = وتفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي).
(7) في المطبوعة: "التي تخرج منها البركة" ، زاد "لا" ، وليست في المخطوطة اتباعًا لما في الدر 3: 93. وفي المخطوطة مثلها أنه كتب "النزله" غير المنقوطة. وهو غير مفهوم إذا قرئ: "تخرج منها البركة". وصفة الأرض "السبخة" أنها أرض ذات ملح ونز ، وهو الماء تتحلب عنه الأرض ، فيصير مناقع. ومن أجل ذلك صار راجحًا عندي أن ما أثبته هو الصواب ، وأن ما في المخطوطة من فعل الناسخ.
القول في تأويل قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والبلدُ الطيبة تربته، العذبةُ مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا، بإذنه، طيبًا ثمرُه في حينه ووقته. والذي خَبُث فردؤت تربته، وملحت مشاربه، لا يخرج نباته إلا نكدًا = = يقول: إلا عَسِرًا في شدة، كما قال الشاعر: [[م أعرف قائله. ]] لا تُنْجِزُ الوعْدَ، إِنْ وَعَدْتَ، وإن... أَعْطَيْتَ أَعْطَيْتَ تَافِهًا نَكِدَا [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢١٧ ولسان العرب (تفه). ]] يعني بـ"التافه"، القليل، وبـ"النكد" العسر. يقال منه:"نكِد يَنْكَد نكَدًا، ونَكْدًا = فهو نَكَدٌ ونَكِدٌ"، والنُّكْد، المصدر. ومن أمثالهم:"نَكْدًا وجحدًا"،"ونُكدًا وجُحْدا". و"الجحد"، الشدة والضيق. ويقال:"إذا شُفِه وسئل: [["شفه الرجل" (بالبناء للمجهول) ، إذا كثر سؤال الناس إياه فأعطى حتى نفد ما عنده فأفنى ماله. "فهو مشفوه" ومثله"منكود، ومثمود، ومعروك، ومعجوز، ومصفوف، ومكثور عليه". ويقال: "ماء مشفوه"، كثير الشاربة، وكذلك الماء والطعام. ]]