بسم الله الرحمن الرحيم قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالا﴿۱۰۳﴾ الَّذينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) قوله تعالى: ﴿ قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ﴾: ظاهر السياق أن الخطاب للمشركين وهو مسوق سوق الكناية وهم المعنيون بالتوصيف وسيقترب من التصريح في قوله: ﴿ أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه ﴾ فالمنكرون للنبوة والمعاد هم المشركون. قيل: ولم يقل: بالأخسرين عملا، مع أن الأصل في التمييز أن يأتي مفردا والمصدر شامل للقليل والكثير للإيذان بتنوع أعمالهم وقصد شمول الخسران لجميعها. قوله تعالى: ﴿ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ﴾: إنباء بالأخسرين أعمالا وهم الذين عرض في الآية السابقة على المشركين أن ينبئهم بهم ويعرفهم إياهم فعرفهم بأنهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وضلال السعي خسران ثم عقبه بقوله: ﴿ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ﴾ وبذلك تم كونهم أخسرين. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الكهف - الآية 104. بيان ذلك: أن الخسران والخسار في المكاسب والمساعي المأخوذة لغاية الاسترباح إنما يتحقق إذا لم يصب الكسب والسعي غرضه وانتهى إلى نقص في رأس المال أو ضيعة السعي وهو المعبر عنه في الآية بضلال السعي كأنه ضل الطريق فانتهى به السير إلى خلاف غرضه.
ذكر الله عز وجل في آخر سورة الكهف أولئك الذين يعملون أعمالاً يحسبون أنهم يحسنون صنيعها، فيتفاجئون بأنها هباء منثوراً؛ وذلك بسبب إعراضهم عن سبيل الله، ثم ذكر تبارك وتعالى على سبيل الإيجاز ما أعده لعباده المؤمنين، ثم بين أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يواكب المخلوق شيئاً من صفات الخالق، وذكر صفة الكلام.
وفي الثالثة، كانت قصة آدم وإبليس، والتي جاءت مختصرة متوسطة القصص بشكل عام؛ وحيث الرد إلى أصل ما خُلق منه الإنسان، وطبيعة العداوة التاريخية بين الإنسان والشيطان. ثم كانت قصة موسى والعبد الصالح؛ حيث فتنة العلم وضرورة التواضع عند العلماء عموما، وبيان حقائق متعلقة بظاهر الأمر وباطنه، حين تبدو الأفعال وفق واقع ما، بينما حقيقتها أشياء أخرى. معنى قوله تعالى قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً.. - إسلام ويب - مركز الفتوى. وفي هذا ما فيه من ضرورة التسليم بقضاء الله تعالى والرضى به. وكانت القصة الأخيرة المتحدثة عن القوة وأهميتها وضرورة نسبتها إلى الله تعالى، حيث قصة ذي القرنين وسعيه شرقا وغربا، وما فعله مع يأجوج ومأجوج، وكان الفضل في كل ما فعله لله تعالى. في هذه الأجواء، يأتي الحديث عن الآخرة، والنفخ في الصور وجمع الخلائق، وعرض جهنم على الكافرين الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكر الله، وأسماعهم معطلة عن الحق. وحينها يأتي الحديث عن الأخسرين أعمالا؛ هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا. ومرة أخرى، فإن مدلول الضلال مهم، لأنهم لا تعنيهم حياتهم ولا دينهم ولا مصيرهم القادم الدائم، والأنكى من ذلك أنهم يقنعون أنفسهم بأنهم يحسنون صنعا؛ فهم الذين كفروا بآيات الله ولقائه، واضح منهم الاستهزاء وضعف العزيمة الحقيقية التي من خلالها ينتبهون إلى حقيقة أمرهم، فقد تبلدت أحاسيسهم وانطفأت جذوة الإيمان في قلوبهم، ولن يكون هذا إلا عقوبة على أمور فعلوها، وأهمها سوء ظنهم بالله تعالى.
وقوله "أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه" أي جحدوا آيات الله في الدنيا وبراهينه التي أقام على وحدانيته وصدق رسله, وكذبوا بالدار الاخرة "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" أي لا نثقل موازينهم لأنها خالية عن الخير. قال البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله, حدثنا سعيد بن أبي مريم, أخبرنا المغيرة, حدثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ـ وقال ـ اقرءوا إن شئتم "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً"". وعن يحيى بن بكير عن مغيرة بن عبد الرحمن, عن أبي الزناد مثله, هكذا ذكره عن يحيى بن بكير معلقاً, وقد رواه مسلم عن أبي بكر محمد بن إسحاق عن يحيى بن بكير به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا أبو الوليد, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن صالح مولى التوأمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم, فيوزن بحبة فلا يزنها" قال وقرأ "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً" وكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن أبي الصلت عن أبي الزناد, عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعاً, فذكره بلفظ البخاري سواء.