هذه النقلة الرهيبة التي تطرحها قصيدة فهد عافت هي إضافته عنصر السببية لفلسفة الفن ومراجعته لقدرات الشاعر المطلقة على التشكيل الجمالي، وبهذه النقلة تعرف الملهمة «موقعها زين»، هو موقع مركزي في قلب التكوين الشعري، في داخل النسيج الشعري، موقع «الشوف للعين»، وإن هي تحركت من ذلك الموقع، تنهار القصيدة. هذه العلاقة التبادلية والاعتمادية بين الشاعر وملهمته تشبه كثيراً العلاقة بين الشاعر ودارسيه، بدون النقد تبقى الورود في البساتين مغمورة، وبه تسطع في عالم من نور. وفهد عافت ليس شاعراً مغموراً، بل هو ملء السمع والبصر، لكنه يستحق المزيد من الإضاءات الجادة.
قبل أن يغضب مني أحد لظنه أنني أعقد مقارنة تماثل فهد عافت بشكسبير، أوضح بأن هذه الوقفة مع شاعرنا الجميل تكتسب أهميتها من العرض على سابقه العظيم، ففهد قد لا يكون شكسبير زمانه، ولكنه يمتلك رؤية شعرية قد تمكنه من أن يكون - لو توفرت له العناصر الإحيائية التي حظي بها شكسبير. قصيده في فهد الطبية. يستمد ويليام شكسبير، الشاعر الإنجليزي الأشهر، مكانته المرموقة في الأدب الغربي، بل والعالمي، على مدى كل هذه القرون، من تقدير الدارسين والنقاد لروائعه الخالدة. فالجماهير التي كانت تحضر مسرحياته كانت تنسجم مع حبكاته الدرامية ومع الأداء المسرحي العالي تمثيلاً وإخراجاً وإبهاراً، لكن المقدرة اللغوية البارعة التي صاغت أفكار تلك المسرحيات شعرياً ومعانيها الكثيفة بإحالاتها العميقة كانت وما زالت تخضع للتشريح النقدي الذي يكشف جوهرها وجواهرها ويتحرك بأدواته التحليلية والتأويلية لحفر نصوصه والخروج بجماليات وفنيات تزيد من قيمة شكسبير عقوداً بعد عقود. موهبة جبارة وعبقرية فذة؟ هذا صحيح، لكن كم من مواهب جبارة غطاها الإهمال وغفل عنها الزمان وضاعت هدراً وهباءً. في كل العالم ولكل الشعوب شعراء وأدباء وفنانين يشار إليهم بالبنان، يحيطونهم بالاعجاب والافتخار، يعتبرونهم ثروة وطنية وكنز قومي، نصوصهم تحدد هويتهم الثقافية وفكرهم يشع فيتنبهون له استنارة وتعلماً.