بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام وعمود الدين، وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، وأول ما يُحاسَب عليه العبد فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن شرع لها جوابر تجبر النقص والخلل الذي يطرأ عليهم على صلاتهم، ومما شرّعه الله لعباده جبراً لهذا النقص، سجود السهو. تعريف سجود السهو: السهو والنسيان والغفلة ألفاظ مترادفة، معناها: ذهول القلب عن معلوم، وقيل: الناسي إذا ذكَّرته تذكّر بخلاف الساهي. واصطلاحاً: سجدتان يسجدهما المصلي؛ لجبر الخلل الحاصل في صلاته سهواً. أسباب سجود السهو: يُشرع سجود السهو لأحد ثلاثة أمور: أولاً: إِذا زاد في الصلاة سهواً. أحكام سجود السهو - خالد بن علي المشيقح - طريق الإسلام. ثانياً: إِذا نقص منها سهواً. ثالثاً: إِذا حصل عنده شك في زيادة أو نقص. فيسجد لأحد هذه الثلاثة حسبما ورد به الدليل، لا كل زيادة أو نقص أو شك. ويُشرَع سجود السهو إِذا وُجِدَ سببه، سواءً كانت الصلاة فريضة أو نافلة؛ لعموم الأدلة. ضابط الصلاة التي يُشرَع فيها سجود السهو: يُشرَع سجود السهو لكل صلاةٍ ذات ركوع وسجود. فخرج بذلك صلاة الجنازة ، فلا سجود للسهو فيها، وكذا لا سجود إذا سها في سجود التلاوة، أو السهو.
سُجودُ السهوِ واجبٌ في الجملةِ، وهو الصَّحيحُ عند الحنفيَّة [2905] ((الهداية)) للمرغيناني (1/74)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/77). ، والحنابلة [2906] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/110)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/408) قال ابن رجب: (لكن أحمد إنَّما يوجبه إذا كان لِمَا يُبطِلُ عَمدُه الصلاةَ خاصَّة، فأمَّا ما لا يُبطِل الصلاةَ عَمدُه، كترك السُّنن، وزيادة ذِكر في غير محلِّه، سوى السَّلام، فليس بواجبٍ عنده) ((فتح الباري)) (6/515). حكم سجود السهو واجب. ، وقولٌ للمالكيَّة [2907] - ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/286). ، وهو قولُ الثَّوري [2908] - قال ابن رجب: (ومذهب الثوري: أنَّ سجودَ السهو واجب) ((فتح الباري)) (6/517). ، وابنِ المنذر [2909] - قال ابنُ المنذر: (أمَّا الفعل الذي يفعله ساهيًا، فيجبَ فيه سجودُ السهو، فهو أن يجلسَ فيما يُقام فيه، أو يقومَ فيما يُجلس فيه، وما أشبه ذلك) ((الإقناع)) (1/98). ، وابنِ حزم [2910] - قال ابنُ حزم: (كلُّ عملٍ يعمله المرءُ في صلاتِه سهوًا، وكان ذلك العمل ممَّا لو تعمَّده ذاكرًا بطَلتْ صلاته، فإنَّه يلزمُه في السهوِ سجدتَا السهو... ) ((المحلى)) (3/73) ، واختارَه ابنُ تيميَّة [2911] - قال ابن تيمية: (فهذه خمسة أحاديث صحيحة فيها كلها يأمر الساهي بسجدتي السهو، وهو لَمَّا سها عن التشهد الأول سجدَهما بالمسلمين قبل السلام، ولَمَّا سلَّم في الصلاة من ركعتين أو من ثلاثٍ صلَّى ما بقِيَ وسجَدَهما بالمسلمين بعدَ الصلاة، ولَمَّا أَذْكروه أنه صلَّى خمسًا سجدهما بعد السلام والكلام.
أو شك ولم يترجّح له شيء كما في حديث أبي سعيد السابق. ب- بعد السلام: إن كان عن زيادة كما لو زاد ركوعاً، أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "لمّا زاد سلاماً في الصلاة سجد بعد السلام" (متفقٌ عليه). أو شك وترجّح له شيء كما لو شك هل صلّى ثلاثاً أو أربعاً وترجّح له أنها ثلاث فيأتي بركعة ويسجد للسهو بعد السلام، لحديث ابن مسعود السابق. سهو المأموم: أ- إن كان المأموم غير مسبوق، فسهوه يتحمّله الإمام، فلا يسجد للسهو. ب- وإن كان مسبوقاً، سجد بعد قضاء ما فاته. صفة سجود السهو صفته كصفة سجود الصلاة. لا ينظر المُصلّي للشك في ثلاثة مواضع: 1- إذا كثر مع الإنسان. 2- وإذا كان مجرد وهم. حكم سجود السهو في النوافل. 3- وإذا كان بعد الفراغ من العبادة. مسألة: من سها مراراً كفاه سجدتان. وإذا اجتمع سجود قبل السلام وآخر بعده، سجد قبل السلام. والله أعلم.
وهذا يَقتضي مداومتَه عليهما وتوكيدهما، وأنه لم يدَعْهما في السهو المقتضي لها قطُّ، وهذه دلائل بيِّنة واضحةٌ على وجوبِهما، وهو قولُ جمهور العلماء، وهو مذهبُ مالك، وأحمد، وأبي حنيفة، وليس مع مَن لم يوجبهما حُجَّةٌ تقارب ذلك) ((مجموع الفتاوى)) (23/28). وابنُ باز قال ابنُ باز: (سجود السهوِ واجبٌ؛ لأنَّ الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ بذلك) ((فتاوى نور على الدرب)) (9/365)., وابنُ عُثَيمين [2913] - قال ابن عثيمين: (فسجود السهو واجبٌ لكلِّ فِعلٍ أو تَرْك إذا تعمَّده الإنسانُ بطَلَتْ صلاتُه، لكن يجب أن تُقيَّد هذه القاعدة بما إذا كان من جِنس الصلاة كالركوع، والسجود، والقيام، والقعود، فيخرج كلامُ الآدميِّين مثلًا، فإنَّ عَمْدَه يُبطل الصلاة، وسهوَه لا يُبطِلها على الصَّحيح) ((الشرح الممتع)) (3/393). حكم سجود السهو - موضوع. ، وبه أفتتِ اللجنةُ الدَّائمةُ [2914] - قالت اللجنة الدائمة: (سجودُ السهو واجب على الإمامِ وغيرِه، إذا سها في صلاتِه في ترْك واجب أو فِعل محظورٍ) ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (7/126). الأدلَّة من السُّنَّة: 1- عنِ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةً زاد فيها، أو نقَصَ منها، فلمَّا أتَمَّ قُلْنا: يا رسولَ الله، أحَدَثَ في الصَّلاةِ شيءٌ؟ قال: فثَنَى رِجْلَه فسَجَدَ سَجدتَينِ، ثم قال: ((لو حَدَثَ في الصَّلاةِ شيءٌ لأخبرتُكم به، ولكِنْ إنَّما أنا بَشَرٌ، أَنْسَى كَما تَنْسَونَ، فإذا نَسيتُ فذَكِّروني، وإذا أَحَدُكم شكَّ في صَلاتِه فلْيتَحرَّ الصوابَ ولْيَبنِ عليه، ثمَّ لْيَسجُدْ سَجدتينِ)) [2915] رواه البخاري (401)، ومسلم (572).