قال ابن كثير: (يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعيم، فإنما هو زهرة زائلة، ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك وقليل من عبادي الشكور، وقال مجاهد ( أزواجاً منهم) يعني الأغنياء، فقد آتاك خيراً مما آتاهم). ويقول تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24].
واللهو: صرف النفس عن الجد إلى الهزل (تفسير أبي حيان 4/ 484). وبيّن ابن القيم في تفسيره 6/437 أن اللعب للجوارح، واللهو للقلب: (لاهيةً قلوبُهم) الأنبياء 3. على أن الفقهاء ذهبوا إلى أن اللعب واللهو ليسا مذمومين دائمًا. فهناك ما هو محمود، كالألعاب والمسابقات التي تعين على الجهاد أو على العلم. وهناك ما هو مباح، وما هو مذموم. وللمفسرين في هذه الآية قولان: قول بأن المقصود هنا هو حياة الكافر، والقول الآخر بأن المقصود عام بحيث يشمل حياة المؤمن والكافر معًا. إن الإخبار عن الحياة الدنيا بأنها لعب ولهو ليس تفسيره سهلاً، سواء كانت هذه الحياة تخص المؤمن أو المؤمن والكافر معًا. ذلك لأن المؤمن ليست جميع أعماله في الحياة الدنيا من هذا القبيل، ولاسيما على فرض أن اللعب واللهو منه ما هو محمود. (اللعب)(اللهو) - بلاغة القرآن. كذلك الكافر قد لا تكون حياته كلها من هذا الباب. لعل المقصود هنا هو عقد مقارنة بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة. فالحياة الدنيا تبدو بالنسبة للآخرة أنها لا تعدو أن تكون مجرد لعب ولهو. فالآخرة أفضل (إذا تعلقت بالجنة، وأسوأ إذا تعلقت بالنار)، وأكثر، وأيقن، وأدوم. فخيرات الجنة غير محدودة، وخيرات الدنيا محدودة. قال تعالى: (فما متاع ُالحياةِ الدنيا في الآخرةِ إلا قليلٌ) التوبة 38.
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة تزيين وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد أي الاشتغال فيها وأما الطاعات وما يعين عليها فمن أمور الآخرة كمثل أي هي في إعجابها لكم واضمحلالها. اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة قال الله تعالى. وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون الأنعام. تفسير قوله تعالىإنما الحياة الدنيا لعب ولهو إلى من وجهت الآية التي تبدأ بقوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب و لهو وأريد أيضا معرفة تتمة هذه الآيةو السورة التي نزلت فيها و جزاكم الله خيرا فهذا جزء من آية تكرر في موضعين في. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحديد - الآية 20. – وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون الأنعام 32. وما الحياة الدنيا أي الاشتغال بها إلا لعب ولهو وأما الطاعة وما يعين عليها فمن أمور الآخرة وللدار الاخرة وفي قراءة ولدار الآخرة أي الجنة خير للذين يتقون الشرك أفلا يعقلون بالياء والتاء ذلك فيؤمنون. اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو. ۱ و ما هذه الحياة الدنيا إلا لهو و لعب و إن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون. اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال.
وخيرات الجنة متيقنة، وخيرات الدنيا مظنونة، قابلة للزيادة والنقصان والزوال. والحياة الآخرة خلود، والحياة الدنيا أمرها محدود. والدنيا هزل، والآخرة جدّ. هكذا تبدو الأولى بالنسبة للأخرى. قال تعالى: (إنّ الدارَ الآخرةَ لهيَ الحيوانُ لو كانُوا يَعلمونَ) العنكبوت 64، أي: هي الحياة الحقيقية والجادّة التي يجب أن يسعى إليها الإنسان في الحياة الدنيا. قال تعالى: (وما الحياةُ الدنيا إلا متاعُ الغُرورِ) الحديد 20. وقال أيضًا: (وذرِ الذينَ اتّخذُوا دينَهم لَعِبًا ولهوًا وغرّتهمُ الحياةُ الدنيا) الأنعام 70. فإذا لم يعمرها الإنسان بالجد والعمل والسعي والاستقامة، فلا شك أنه سيصبح نادمًا. إن الإنسان مفطور بطبيعته على تفضيل العاجل على الآجل. فهو يرى أن: "الدنيا نقد، والآخرة نسيئة، والنقد خير من النسيئة. ولذات الدنيا يقين، ولذات الآخرة شك، ولا يُترك اليقين بالشك" (الكشف والتبيين في غرور الخلق للغزالي ص 12). قال تعالى: (كلا بل تُحبّونَ العاجلةَ وتذَرونَ الآخرةَ) القيامة 20. وقال أيضًا: (بل تؤثرونَ الحياةَ الدنيا والآخرةُ خيرٌ وأبقى) الأعلى 16 – 17، أي هي خير نوعًا وكمًا، وأدوم زمنـًا. ولأجل هذه الفطرة، جعل الله الآخرة أفضل وأدوم، وثقـَّل جزاءها، لتحويل الناس من تفضيل الدنيا إلى تفضيل الآخرة، ولإغرائهم بالسعي في الدنيا للآخرة.
والمتتبّع لهذه النصوص الكريمة يجد أن اللعب جاء مع الخوض في خمس آيات. اثنتان منها بلفظ الإسم ، وثلاثة بلفظ الفعل. وفي الآيات الخمس جاء الخوض مقدّماً على اللعب. وقد نصّ المفسّرون على أن المراد بالخوض هو الباطل. وأضاف الدكتور المطعني في كتابه (خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية) أن إطلاق الخوض على الباطل مجاز في التعبير لأن الخوض إنما يكون في الماء. جاء في مختار الصحاح: " خاض الماء خوضاً ومخاضة. " ، وقال الراغب: " الخوض هو الشروع في الماء والمرور فيه. ويُستعار في الأمور وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يُذم الشروع فيه. " والمجاز فيه يصلح أن يكون استعارة بالكناية حيث يشبّه الباطل بالماء ، ثم يحذف ويرمز له بشيء من لوازمه وهو الخوض. والجامع بين المستعار منه والمستعار هو أن كلاً منهما مهلك. الباطل يحقّ بفاعله العقاب. والماء يغرق من يخوض فيه. أو يكون استعارة تبعيّة تصريحية يُشبّه فيها اقتراف الباطل بخوض الماء والجامع ما مرّ. والإستعارة على هذا استعارة مفردة. ويجوز حملها على التمثيل. وهما أولى من الأول. ولما كان الخوض بهذا المعنى قُدّم على اللعب ، وجُعل محتوياً عليه: " فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ".