والثاني: أنه محمد دنا من ربه، قاله ابن عباس، والقرظي. والثالث: أنه جبريل. ثم في الكلام قولان. أحدهما: دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن، وقتادة. والثاني: دنا جبريل من ربه عز وجل فكان منه قاب قوسين أو أدنى، قاله مجاهد. قوله تعالى: فكان قاب قوسين أو أدنى وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين: "فكان قاد قوسين" بالدال. وقال أبو عبيدة: القاب والقاد: القدر. وقال [ ص: 67] ابن فارس: القاب: القدر. ويقال: بل القاب: ما بين المقبض والسية، ولكل قوس قابان. وقال ابن قتيبة: سية القوس: ما عطف من طرفيها. وفي المراد بالقوسين قولان. أحدهما: أنها القوس التي يرمى بها، قاله ابن عباس، واختاره ابن قتيبة، فقال: قدر قوسين. وقال الكسائي: أراد بالقوسين: قوسا واحدا. والثاني: أن القوس: الذراع; فالمعنى: كان بينهما قدر ذراعين، حكاه ابن قتيبة، وهو قول ابن مسعود، وسعيد بن جبير، والسدي. قال ابن مسعود: دنا جبريل منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين. قوله تعالى: أو أدنى فيه قولان. أحدهما: أنها بمعنى "بل"، قاله مقاتل. تفسير سورة ذو مرة فاستوى - إسألنا. والثاني: أنهم خوطبوا على لغتهم; والمعنى: كان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل، هذا اختيار الزجاج.
القراءة: قرأ الجمهور: (ما كَذَب) بتخفيف الذال، وقرئ (ما كذَّب) بتشديد الذال.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى (٧) ﴾ يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه (إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾: أي ما ينطق عن هواه ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ قال: يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل، ويوحي جبريل إلى محمد ﷺ. وقيل: عنى بقوله ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ بالهوى. إسلام ويب - زاد المسير - تفسير سورة النجم - تفسير قوله تعالى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق ال- الجزء رقم8. * * * وقوله ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾: يقول تعالى ذكره: عَلَّم محمدا ﷺ هذا القرآن جبريلُ عليه السلام، وعُنِي بقوله ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾ شديد الأسباب. والقُوى: جمع قوّة. كما الجثى: جمع جثوة، والحبى: جمع حبوة. ومن العرب من يقول: القوى: بكسر القاف، كما تُجمع الرشوة رشا بكسر الراء، والحبوة حبا. وقد ذُكر عن العرب أنها تقول: رُشوة بضم الراء، ورشوة بكسرها، فيجب أن يكون جمع من جمع ذلك رشا بكسر الراء على لغة من قال: واحدها رشوة، وأن يكون جمع من جمع ذلك بضمّ الراء، من لغة من ضمّ الراء في واحدها وإن جمع بالكسر من كان لغته من الضمّ في الواحدة، أو بالضمّ من كان من لغته الكسر؛ فإنما هو حمل إحدى اللغتين على الأخرى.
الثّانِي: أنَّهُ مُحَمَّدٌ ﷺ مِن رَبِّهِ، قالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ. الثّالِثُ: أنَّهُ جِبْرِيلُ مِن مُحَمَّدٍ ﷺ. ﴿فَأوْحى إلى عَبْدِهِ ما أوْحى﴾ في عَبْدِهِ المُوحى إلَيْهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أوْحى إلَيْهِ ما يُوحِي إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قالَتْهُ عائِشَةُ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ. الثّانِي: أنَّهُ مُحَمَّدٌ ﷺ أُوحِيَ إلَيْهِ عَلى لِسانِ جِبْرِيلَ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ والسُّدِّيُّ. ﴿ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رَأى﴾ في الفُؤادِ قَوْلانِ: (p-٣٩٤)أحَدُهُما: أنَّهُ أرادَ صاحِبَ الفُؤادِ فَعَبَّرَ عَنَّهُ بِالفُؤادِ لِأنَّهُ قُطْبُ الجَسَدِ وقِوامُ الحَياةِ. الثّانِي: أنَّهُ أرادَ نَفْسَ الفُؤادِ لِأنَّهُ مَحِلُّ الِاعْتِقادِ وفِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: مَعْناهُ ما أوْهَمَهُ فُؤادُهُ ما هو بِخِلافِهِ كَتَوَهُّمِ السَّرابِ ماءً، فَيَصِيرُ فُؤادُهُ بِتَوَهُّمِ المُحالِ كالكاذِبِ لَهُ، وهو تَأْوِيلُ مَن قَرَأ ﴿ما كَذَبَ الفُؤادُ﴾ بِالتَّخْفِيفِ. الثّانِي: مَعْناهُ ما أنْكَرَ قَلْبُهُ ما رَأتْهُ عَيْنُهُ، وهو تَأْوِيلُ مَن قَرَأ "كَذَّبَ" بِالتَّشْدِيدِ. وَفي الَّذِي رَأى خَمْسَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: رَأى رَبَّهُ بِعَيْنِهِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.