رسالة إلى حافظ القرآن (الخطبة الأولى) إن الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وسلم وتسليمًا كثيرًا أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ الله، فما من عبدٍ أدلجَ في طريقِ التقوى، إلا فتحَ اللهُ عليه من علمِ الكتابِ والسنة، ما يكون سببًا في فلاحِه في الدنيا والآخرة، قال جل وعلا: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]. أيها المسلمون.. رسالةَ ودٍ وحبٍ وإخاء، أبعثُها إلى حافظِ القرآن، الملازمِ لتلاوته، فأصغِ لها سمعَك واجمع لها قلبَك يا رعاك الله. يا حافظَ القرآن.. إنما يشرفُ الكلامُ بشرفِ من تكلمَ به، وتعظمُ الأوامرُ لعظمةِ من أمرَ بها، وتهفو القلوبُ لرسائلِ الحبِ لمحبةِ من أَرسلها. فما من كلامٍ أشرفُ من كلامِ الله، وما من أوامرَ أعظمُ من أوامرِ الله، وما من رسائلَ حبٍ أحب ُإلى القلوبِ من رسائلِ الله. يا حافظَ القرآن.. لقد أثنى اللهُ على كتابِه العظيم، ثناءً فاقَ من سبَقَه من الكتبِ المنزلة، وجعله مهيمنًا عليها، وجعلَ فضلَه على غيرِه من الكلام كفضلِه على خلقِه، لأنه حوى أعظمَ صفةٍ للهِ جل جلاله، وهي صفةُ الكلام، كما قال في كتابه: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].
قصيدة شعر يا حافظ القرآن طر نحو العلا ** وابلغ بروحك قمة الجوزاء واقرأ كتاب الله واحفظ آيه ** واعلم بأنك قدوة البلغاء واشمخ بعزك كلنا في رحلة ** لله تأخذنا بلا استرخاء الله قدر رزقنا وحياتنا ** والله يحفظنا من الأهواء فاقرأ كتاب الله واستمسك به ** واعمل به يا سيد العلماء كل العلوم إلى الكتاب مردها ** وحي من الرحمن ذي الآلاء 282 18 193, 912
يا حافظَ القرآن.. بخٍ بخٍ!! ومن يدانيكَ بين البشر؟! لقد مَنَّ اللهُ عليكَ بحفظِ كتابِه العظيم، ونسبكَ إلى أهلِ العلم بقوله: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [العنكبوت: 49]، وجعلكَ النبي صلى الله عليه وسلم من خيرِ أمته، قال عليه الصلاة والسلام: « خيرُكم من تعلّم القرآنَ وعلّمه »، وذلك من غيرِ حول منك ولا قوة، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاء واللهُ ذو الفضل العظيم. أيها المبارك.. الإخلاصُ مَركَبُ الخلاص!! فكلما كان حافظُ القرآنِ مخلصًا لله جل جلاله، عاملًا به، كان ذلك رفعةً وعزةً له في الدنيا والآخرة، قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم عن صاحبِ القرآنِ في الدنيا: « يؤمُ القومَ أقرؤُهم لكتابِ الله »؛ رواه مسلم، وفي الآخرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يقالُ لصاحبِ القرآنِ اقرأ وارتق ورتل كما كنتَ ترتلُ في الدنيا، فإن منزلتَك عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها »؛ رواه أبوداود، فاربأ بنفسِكَ أن تحرِمَها ذلك بعدمِ الإخلاصِ للهِ جل جلاله. يا حافظَ القرآن.. لقد فطرَ اللهُ النفوسَ على حبِ الاقتداء، فقلب ناظريك، وأجل فكرك، لتعرف من هم قدوتُك من الحفاظ لكتاب الله الملازمين لتلاوته، يكفيك فخرًا أن يكونَ إمامُهم رسولُ ربِ العالمين، وصحابتُه الميامين رضي الله عنهم، فلا واللهِ ما جاءَ بعدَهم مثلَهم في تلاوةِ كتابِ الله والعملِ به.
أحد أشهر قراء القرآن الكريم فى مصر والعالم الإسلامي، سكن القلوب قبل الآذان، حمل مشقة التنقل بين البلاد منذ الطفولة حبًا وطلبًا في القرآن الكريم، الذي كانت بدايته معه «نذر والده»، الذي نذر لله نذرًا: «لئن رزقه الله ولدًا سيهبه لخدمة القرآن وأهله»، وبالفعل تحققَ النذر، وكانت هي بداية الشيخ محمود علي البنا في رحلة الصعود إلى دولة ملائكة القراءة، ليجد اسمه محفورًا بحروف من نور بجانب عظماء مقرئي القرآن الكريم. السيرة الذاتية للشيخ محمود علي البنا وحسب ما صرحت به أسرة صاحب «الصوت الذي لا يغيب» فإن الشيخ محمود على البنا ابن قرية شبرا باص مركز شبين الكوم بالمنوفية، وُلد في 17 ديسمبر 1926، والده لم ينس النذر أبدًا، ، فعكف على تربية ابنه في رحاب القرآن الكريم، وانتظم الطفل في كتاب الشيخ موسى المنطاش بقرية شبرا باص، والذى اكتشف موهبته وأعطاه اهتمامًا أكثر، وتمكن من حفظ القرآن الكريم في الحادية عشر من عمره. انتقل بعد ذلك إلى مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالجامع الأحمدي، وتوقف عن الدراسة بالأزهر، مكتفيا بما حصل عليه من إجازة في القراءات، جعلته فيما بعد من المقرئين المتميزين، واختير قارئًا لجمعية الشبان المسلمين عام 1947، ودخل الإذاعة في عامه الـ22، ليبدأ بعدها أولى خطواته وسط مشاهير قراءة القرآن الكريم، حيث التحق الشيخ البنا بالإذاعة المصرية عام 1948.