تلك المرحلة التاريخية التي دخلها العالم المتطور، متوقفا عن التصفيات الجسدية لكل ذي فكر مختلف، لا نزال بعيدين عنها، وهذا يعني أننا متأخرون عنه بأكثر من قرنين، ربما بثلاثة قرون وربما بأربعة قرون، ومن يدري قد نحتاج لإعادة تدوير كاملة حتى نستوعب فقط قرآننا المقدس، الذي لا نزال نقرأه منذ أربعة عشر قرنا ولم نفهم محتواه. في أواخر القرن التاسع عشر، تبنى الفيلسوف وعالم الاجتماع هربرت سبنسر نظرية التطور، وهذا ما أنجب بتشابك عجيب ترابط الفرضية العلمية بالسجال الثقافي على مستوى الجامعات وتقريبه من الخطاب البسيط للعامة. وهذا بالضبط ما ولّد مزيدا من الأسئلة، وحفّز على مزيد من الاجتهاد للبحث عن الحقيقة.
فخلقنا المضغة عظاماً (المؤمنون: 14). ثم نكسوها لحماً (البقرة: 259). الذي خلقك فسواك فعدلك (الانفطار: 7). ثم أنشأناه خلقاً آخر (المؤمنون: 14). لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (التين: 4). القرار المكين وكلما تقدم العلم وارتقت المعرفة وأمكن للعلماء دراسة بداية الخلق والحياة بالتقنية الحديثة أصبح ممكنا رؤية الوقائع التي تحدث منذ بداية الخلق وتصوير مراحلها وأطوارها المتتابعة بدقة متناهية منذ إخصاب البويضة حتى تكون الجنين. وفي غضون ذلك يظهر الإعجاز الإلهي لبيان آيات القرآن في خلق الإنسان، إذ تبدأ نقطة البداية في الخلق من بين الصلب والترائب، والحيوان المنوي للرجل هو الذي يحدد بإرادة الله نوع الجنين وجنسه ذكرا أم أنثى. أما المرحلة الثانية فهي النطفة التي وردت في سياق آيات كثيرة ذكرنا بعضها.. قال تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين. إذ تكرر ذكرها اثنتي عشرة مرة في القرآن الكريم.. فعندما تحمل المرأة يحدث التغيير الأعظم في الرحم.. فيزداد حجم الغشاء المبطن للرحم وتنمو الأوعية الدموية ويزداد عدد الغدد الرحمية، وتتهيأ التربة الخصبة كي تتلقى الزرع والغرس الجديد، وما ان ينتهي الحمل والولادة أو السقط حتى يعود الرحم أدراجه خلال النفاس إلى ما كان عليه صغير الحجم لا يتسع لأكثر من ملليمترين، لا يزيد على خمسين جراماً.
فكرة الإلهام في حدّ ذاتها تبدو مثيرة، ومقبولة أكثر من غيرها، كون داروين لم تجذبه مهنة الطب المحدودة والمثيرة لمشاعره الرقيقة آنذاك، أكثر من البحث عن حقائق أخرى تخص الكائنات الحية.
هكذا ارتبطتْ قصة الخلق عند المصريين القدماء، بأن أصل الإنسان من طين، وقبل هبوط الرسالات السماوية بآلاف السنين، وهو أمر اتفقت عليه أيضا قصص خلق الإنسان المادى فى كل الحضارات القديمة، لكن امتازت قصة الخلق عند المصريين القدماء، بجانب التوصل لأصلها المادى «الطين» بالقيم الأخلاقية، والمعانى السامية..!! تفسير: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين). ولابد من إدراك أمرين مهمين، الأول أن المصرى القديم، كان مؤمنا موحدا، وليس وثنيا، وتوصل لقضية البعث والعالم الآخر، ويوم الحساب، منذ بدء الخليقة وقبل نزول الرسالات السماوية.. والأمر الثانى، أنه توصل إلى أصل خلق الإنسان المادى، وهو الطين، والربط بين بدء خلقه، بالقيم والمعانى السامية، والضمير الأخلاقى..!! وللحديث بقية إن شاء الله...! !
ثم تأتي مرحلة الكساء باللحم حيث تظهر العظام لتتميز هذه المرحلة بكساء الهيكل العظمي باللحم في جميع جوانبه فتتعدل الصورة الآدمية للجنين وتتناسق الأعضاء بصورة أدق وبذلك يبدأ الجنين بالحركة في نهاية الأسبوع الثامن، وهذه مرحلة متميزة في التركيب والتناسق والصورة وقدرة الجنين على الحركة، وهنا يأتي النص القرآني دالا على التتابع السريع بين المرحلتين وتشير الآية الكريمة إلى أن مرحلة الكساء باللحم تمثل نهاية لمرحلة من مراحل نمو الجنين، لتبدأ بعدها بفترة مرحلة أخرى هي النشأة في الأسبوع التاسع وتتميز بتطور الأعضاء والأجهزة ونفخ الروح ومقاييس الجسم وتحديد الجنس. وهكذا وقبل أن تعرف الإنسانية الأجهزة والآلات المعقدة بقرون طويلة وقف القرآن شامخا يتحدث وحده عن مراحل الخلق البشري بأوصاف معجزة ومنهجية علمية وترتيب دقيق ليقف العلماء أمام مصطلحاته بكل خشوع وإجلال لله، ونردد معهم قول الله تعالى: فتبارك الله أحسن الخالقين.
وذكر سفر التكوين قصة الخلق ونصها: «وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض، ونفخ فى أنفه نسمة حياة.. فصار آدم نفسا حية». وذكرت قصص الخلق فى أدبيات الحضارات القديمة المختلفة، بأشكال مختلفة، ولكنها اتفقت جميعها على أن خلق الإنسان من الطين، ففى الحضارة السومرية، قصة أن الإله إنكى أو إنليل، خلق الإنسان كخادم للآلهة من الطين والدم.. وفى الحضارة اليونانية، فإن «بروميثيوس» الذى كلفه الإله «زيوس» بخلق الإنسان، استعان بالطين لخلق البشر، ومنحهم قدرات رائعة وعظيمة، أغضبت الإله «زيوس».. ونفس الأمر فى الحضارات الصينية والهندية واللاوسية والانكا، وغيرها من الحضارات القديمة. وننتقل لقصة خلق الإنسان المادى عند المصريين القدماء، فإن الإله «خنوم» قرر خلق البشر من طمى النيل، وشكله على عجلة الفخار بتكليف من أبو الأرباب «آمون».. وكان خنوم يجلس أمام آلة الفخار ويصنع البشر من الصلصال.. وصنع نموذجيْن لكل إنسان.. الأول للطفل والثانى لـ«الكا» وهى روح الإنسان. ويوجد فى متحف الأقصر جدارية للإله خنوم وهو يُشكل على عجلة الفخار الملك «حورس» وبجواره الإلهة حتحور تـُقدّم رمز الحياة، كما ورد فى كتاب «آمون- إم- أوبى» وعلى لسان الحكيم «آمون- إم- أوبى» قائلا: «لقد خلقنى خنوم ممتازًا.. تأملات قرآنية..أطوار خلق الأجنة - الأهرام اليومي. إنه يوجه لسانى نحو الخير.. إننى لم أدنس فمى بإهانة من أهاننى.. إننى استجلبت المحبة لنفسى».. ثم يوجه نصيحته لابنه قائلا: «كن رحيما فى كل شىء.. فلا تهزأ بالأعمى.. ولا تسخر من القمىء.. لا تـُسبب الضرر لأحد».