أمّا المجالس التي تتناول أموراً مهمّة تدفع بعجلة حياة الإنسان إلى التقدّم والتطوّر والازدهار، وتسعى إلى رُقيّه الروحيّ وتقوية الجانب المعنويّ فيه، فتلك ضالّتنا، ونِعَم المجالس هي وخير جليس. روي أنّ لقمان قال لابنه: "يا بنيّ، اختر المجالس على عينك، فإن رأيت قوماً يذكرون الله عزّ وجلّ فاجلس معهم، فإن تكن عالماً نفعك علمك، وإن تكن جاهلاً علّموك، ولعلّ الله أن يظلّهم برحمته فيعمّك معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإن تكن عالماً لم ينفعك علمك، وإن كنت جاهلاً يزيدوك جهلاً، ولعلّ الله أن يظلّهم بعقوبة فيعمّك معهم"(1). •من آداب المجالس لقد جعل الإسلام للمجالس آداباً وسنناً، علينا سلوكها إذا أردنا الخير في الدنيا والآخرة. لذا كان لا بدّ من معرفة أهمّ الآداب التي شرّعها الإسلام لمجالسنا: 1- إلقاء السلام والاستئذان عند الدخول: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلّم، فليست الأولى بأحقّ من الآخرة"(2). 2- اجلس حيث ينتهي بك المجلس، ولا تُقم واحداً من مكانه لتجلس مكانه: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أتى أحدكم مجلساً، فليجلس حيث ما انتهى مجلسه"(3)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يُقيمنّ أحدكم رجلاً من مجلسه ثمّ يجلس فيه"(4).
فقيام هذه الشعيرة في المجالس تكثِّر مجالس الخير وتقلل مجالس الشر. ومن الآداب أيضاً: الحرص على جمع الكلمة وإصلاح ذات البين واستغلال تلك الجلسات لتقريب وجهات النظر وجمع القلوب على الحق، والبعد عن تأجيج الصراعات والاختلافات فلا يخرج الجالسون إلا وقد شحنوا حقداً وبغضاً من بعضهم لبعض، خاصة في أيامنا هذه التي تموج بالفتن وتطفح بالصراع والاختلاف الذي قد وصل إلى البيوت ليفرق بين الأخ وأخيه، فالحكمةَ الحكمة معشر المسلمين. قال تعالى: ﴿ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾[النساء: 114]. ومن آداب المجالس: الابتعاد عما يؤذي الجالسين من قول أو فعل أو هيئة. فليحرص المسلم عند جلوسه مع غيره أن يكون نظيف الظاهر والباطن طيب الرائحة حلو اللسان، لا تصدر من قبله أفعال تكدر على الجالسين مجلسهم. ومن الآداب: استعمال اليد اليمنى في الأخذ والإعطاء والأكل والشرب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها) [4].
[١] عدم التفريق بين الجالسين إذا أردنا الجلوس بين شخصين فلا يجب الجلوس قبل الاستئذان منهما، أو إذا كنا نريد للجلوس مكان أحدهما فلا نجلس قبل أن يوافق على ذلك. [٣] قراءة دعاء كفارة المجلس يجب علينا قراءة دعاء كفارة المجلس عند إنهائه ليغفر الله لنا لغو الحديث، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم "من جلس في مجلس، فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك". [٤] عدم التناجي إنّ الإسلام دين رؤوف جاء ليحافظ على مشاعر المسلم، ومن آداب المجالس عدم التناجي، والتناجي هو أن ينفرد اثنان في المجلس بالحديث الهامس بحيث لا يسمع الطرف الثالث ما يُقال، فيحزنه ذلك ويجعله يفكر بأنه غير مرغوب به، أو أن الحديث عنه [١] المراجع ^ أ ب ت ث ج "آداب المجالس في الاسلام" ، شبكة ألوكة. بتصرّف. ^ أ ب "من-باب-في-اداب-المجلس-والجليس" ، ابن باز. بتصرّف. ↑ "الجلوس-بين-اثنين-دون-إذنهما" ، اسلام ويب. بتصرّف. ↑ رواه العقيلي، في الضعفاء الكبير، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:156.
فلا يجوز للإنسان أن يجلس وسط الحلقة فيكون في ذلك عدوان عليهم وعلى حقوقهم إلا إذا أذنوا لك بأن وقفت مثلا وكان المكان ضيقا وقالوا تفضل اجلس هنا فلا حرج ، والشاهد على ذلك ما رواه الترمذي بسند صحيح وغيره أيضا: (عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ وَسْطَ حَلْقَةٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ مَلْعُونٌ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ أَوْ لَعَنَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- – مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ).
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدث رجل رجلًا بحديث ثم التفت فهو أمانة) وخيانة الأمانة ذنب كبير فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات المنافقين " وإذا أؤتمن خان"، والمؤمن يحفظ عرض أخيه المؤمن وأمانته. 8- رفع الأذية عن الجلساء أنت لا تجلس وحدك في المجلس، والمسلم للمسلم يخاف عليه كما يخاف عن نفسه، فإذا علمت معك ما يمكن أن يسبب أذى أو انزعاج للناس فعليك كفه عنهم. فعن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها. قال: فقال أبو موسى: والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض. 9- لا تجلس بين الظل والشمس وتحول من المجلس عند النعاس هذا مما نبهنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس. وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره) 10- كفارة المجلس إذا انتهيت من المجلس وهممت بالذهاب فلا تنس دعاء كفارة المجلس. وقد نبهنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث.
ولا مانع من القيام للوالدين، أو لرجل كبير، أو عالم جليل، أو لولي أمر، أو أستاذ له الفضل، أو القيام بقصد المصافحة أو المعانقة أو التهنئة؛ فإن كل هذا من الأدب الإسلامي، فقد حثنا ديننا الإسلامي على احترام الناس وإنزالهم منازلهم وإكرام كريمهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار أن يقوموا لسيدهم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فقال: (قوموا لسيدكم) [البخاري]. مراعاة الأدب إذا عطس المسلم أو سعل أو بصق: على المسلم أن يتجنب إيذاء الحاضرين، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه (فمه) وخفض -أو غض- بها صوته [أبو داود والترمذي]. وإذا عطس المسلم قال: (الحمد لله)؛ فيقول له الجالسون: (يرحمكم الله) ويرد عليهم قائلا: (يهديكم الله ويصلح بالكم). إلقاء السلام عند الانصراف: المسلم إذا أراد أن ينصرف استأذن من الجالسين معه، وألقى عليهم السلام، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليسلِّم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة) [أبوداود والترمذي]. دعاء كفَّارة المجالس: المسلم يذكر ربه في مجلسه دائمًا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جِيفة حمار، وكان لهم حسرة) [أبوداود].