وإن هذا المثل ليتجدد في الحياة ويقع كل حين. فكم من طغاة يسكنون مساكن الطغاة الذين هلكوا من قبلهم. وربما يكونون قد هلكوا على أيديهم. ثم هم يطغون بعد ذلك ويتجبرون؛ ويسيرون حذوك النعل بالنعل سيرة الهالكين؛ فلا تهز وجدانهم تلك الآثار الباقية التي يسكنونها ، والتي تتحدث عن تاريخ الهالكين ، وتصور مصائرهم للناظرين. ثم يؤخذون إخذة الغابرين ، ويلحقون بهم وتخلوا منهم الديار بعد حين! ثم يلتفت السياق بعد أن يسدل عليهم الستار هناك ، إلى واقعهم الحاضر ، وشدة مكرهم بالرسول والمؤمنين ، وتدبيرهم الشر في كل نواحي الحياة. فيلقي في الروع أنهم مأخوذون إلى ذلك المصير ، مهما يكن مكرهم من العنف والتدبير: { وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم.. وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}.. إن الله محيط بهم وبمكرهم ، وإن كان مكرهم من القوة والتأثير حتى ليؤدي إلى زوال الجبال ، أثقل شيء وأصلب شيء ، وأبعد شيء عن تصور التحرك والزوال. فإن مكرهم هذا ليس مجهولاً وليس خافياً وليس بعيداً عن متناول القدرة. بل إنه لحاضر { عند الله} يفعل به كيفما يشاء. { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله. إن الله عزيز ذو انتقام}.. فما لهذا المكر من أثر ، وما يعوق تحقيق وعد الله لرسله بالنصر وأخذ الماكرين أخذ عزيز مقتدر: { إن الله عزيز ذو انتقام}.. لا يدع الظالم يفلت ، ولا يدع الماكر ينجو.. " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون". وكلمة الانتقام هنا تلقي الظل المناسب للظلم والمكر ، فالظالم الماكر يستحق الانتقام ، وهو بالقياس إلى الله تعالى يعني تعذيبهم جزاء ظلمهم وجزاء مكرهم ، تحقيقاً لعدل الله في الجزاء.
فإذا تعارض دين أو خلق أو عرض مع مطالب هذه الأصنام ، نبذت أوامر الله فيها ونفذت مطالب هذه الأصنام.. الذين يظنون أنفسهم « مسلمين » وفي « دين الله » وهذا حالهم.. عليهم أن يستفيقوا لما هم فيه من الشرك العظيم!!! إن دين الله ليس بهذا الهزال الذي يتصوره من يزعمون أنفسهم « مسلمين » في مشارق الأرض ومغاربها! إن دين الله منهج شامل لجزيئات الحياة اليومية وتفصيلاتها. والدينونة لله وحده في كل تفصيل وكل جزئية من جزيئات الحياة اليومية وتفصيلاتها فضلاً على أصولها وكلياتها هي دين الله ، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه. وإن الشرك بالله لا يتمثل فحسب في الاعتقاد بألوهية غيره معه؛ ولكنه يتمثل ابتداء في تحكيم أرباب غيره معه.. "ولا تحسبنّ اللهَ غافلا عما يعملُ الظالمون" | المنتدى العالمي للوسطيه. وإن عبادة الأصنام لا تتمثل في إقامة أحجار وأخشاب؛ بقدر ما تتمثل في إقامة شعارات لها كل ما لتلك الأصنام من نفوذ ومقتضيات! ولينظر الناس في كل بلد لمن المقام الأعلى في حياتهم؟ ولمن الدينونة الكاملة؟ ولمن الطاعة والاتباع والامتثال؟ فإن كان هذا كله لله فهم في دين الله. وإن كان لغير الله معه أو من دونه فهم في دين الطواغيت والأصنام.. والعياذ بالله..! { هذا بلاغ للناس ، ولينذروا به.
للقرآن تأثيره العجيب في النفوس إذا صفت وعقلت، ولا عجب، فهو كلام الله، وكل شيء مرتبط بالله ميزته كالفرق بين الله وخلقه، وكل ما سواه مخلوق، وشتان بين الخالق والمخلوق، من هنا نأنس ونطمئن إلى هذا القرآن، وقد تنوع خطابه بين تأسيسٍ للإيمان وتوضيحٍ لمبادئه وتصحيح للفكر، وتشريعٍ يضبط العلاقات مع الله والنفس والناس على اختلاف أصنافهم، وأخلاق تزكي النفس وترتقي بها.
وليعلموا أنما هو إله واحد ، وليذكر أولوا الألباب}. (في ظلال القرآن)