والمعنى: لقد كان لسبأ في حال مساكنهم ونظام بلادهم آية. [ ص: 166] والآية هنا: الأمارة والدلالة بتبدل الأحوال وتقلب الأزمان ، فهي آية على تصرف الله ونعمته عليهم ، فلم يهتدوا بتلك الآية فأشركوا به وقد كان في إنعامه عليهم ما هو دليل على وجوده ثم على وحدانيته. والتأكيد بلام القسم وحرف التحقيق لتنزيل المخاطبين بالتعريض بهذه القصة منزلة من يتردد في ذلك لعدم اتعاظهم بحال قوم من أهل بلادهم ، وتجريد ( كان) من تأنيث الفعل لأن اسمها غير حقيقي للتأنيث ولوقوع الفصل المجرور. واللام في لسبأ متعلق بـ آية. والمساكن: البلاد التي يسكنونها بقرينة قوله جنتان عن يمين وشمال والمساكن: ديار السكنى. وتقدم الكلام على سبأ عند قوله وجئتك من سبأ في سورة النمل. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة سبإ - الآية 15. واسم سبأ يطلق على الأمة كما هنا وعلى بلادهم كما في آية النمل وتقدم تفصيله. وقرأ الجمهور في مساكنهم بصيغة جمع مسكن. وقرأه حمزة والكسائي وحفص وخلف بلفظ المفرد " في مسكنهم " إلا أن حمزة وحفصا فتحا الكاف ، والكسائي وخلفا كسرا الكاف وهو خارج عن القياس لأنه مضارع غير مكسور العين ، فحق اسم المكان منه فتح العين. وشذ نحو قولهم: مسجد لبيت الصلاة. و " جنتان " بدل من " آية " باعتبار تكملته بما اتصل به من المتعلق والقول المقدر وجنتان تشبيه بليغ ، أي في مساكنهم شبيه جنتين في أنه مغترس أشجار ذات ثمر متصل بعضه ببعض مثل ما يعرف من حال الجنات ، وتثنية جنتين باعتبار أن ما على يمين السائر كجنة ، وما على يساره كجنة.
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) القول في تأويل قوله تعالى: فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) يقول تعالى ذكره: فأعرضت سبأ عن طاعة ربها وصدت عن اتباع ما دعتها إليه رسلها من أنه خالقها. كما حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال ثني محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه اليماني قال: لقد بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًّا فكذبوهم ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) يقول تعالى ذكره: فثقبنا عليهم حين أعرضوا عن تصديق رسلنا سدهم الذي كان يحبس عنهم السيول. لقد كان لسبأ في مسكنهم آية اعراب. والعرم المسناة التي تحبس الماء، واحدها عرمة، وإياه عنى الأعشى بقوله: فَفِـــي ذَاكَ للْمُؤْتَسِـــي أُسْــوَةٌ وَمَــأْرِبُ عَفَّــى عليــه العَــرِمْ رِجـــامٌ بَنَتْـــهُ لَهُــمْ حِــمْيَرٌ إذا جَـــاءَ مــاؤهُمُ لــمْ يَــرمْ (1) وكان العرم فيما ذكر مما بنته بلقيس. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال ثني وهب بن جرير قال ثنا أَبي قال سمعت المغيرة بن حكيم قال: لما ملكت بلقيس، جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم، قال فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها، فتركت ملكها وانطلقت إلى قصر لها وتركتهم، فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها، فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها فأبت فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك، فقالت: إنكم لا تطيعونني وليست لكم عقول، ولا تطيعوني، قالوا: فإنا نطيعك، وإنا لم نجد فينا خيرًا بعدك، فجاءت فأمرت بواديهم، فسد بالعرم.
وقيل: إنه قريب من المشلل ، كما قال حسان بن ثابت: إما سألت فإنا معشر نجب الأزد نسبتنا ، والماء غسان ومعنى قوله: " ولد له عشرة من العرب " أي: كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن ، لا أنهم ولدوا من صلبه ، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثلاثة والأقل والأكثر ، كما هو مقرر مبين في مواضعه من كتب النسب.
وجملة: (جعلنا... وجملة: (باركنا... ) لا محلّ لها صلة الموصول (التي). وجملة: (قدّرنا... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة جعلنا. وجملة: (سيروا... الصرف: (15) سبأ: انظر الآية (22) من سورة النمل. (16) العرم: جمع عرمة زنة كلمة، اسم لما يمسك الماء من بناء وغيره أي السدّ... أو هو اسم الوادي الذي بني فيه السد، ووزن عرم فعل بفتح فكسر. لقد كان لسبا في مسكنهم اية. (ذواتي)، مثنّى ذوات، وهو اسم مفرد فيه إعلال لأن أصله ذوية- بفتح الذال والواو والياء- وهو مؤنّث ذو الذي أصله ذوي، فلمّا تحرّكت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فصار ذوات، وقد حذفت الواو تخفيفا فأصبح ذات... وفي التثنية يصحّ ذاتان- على الحذف- وذواتان على الأصل. (خمط)، اسم لكلّ شجر ذي شوك في طعمه مرارة- وقيل هو شجر الأراك- وقد استعمل اللفظ استعمال الصفة فوصف الأكل به، وزنه فعل بفتح فسكون. (أثل)، اسم لشجر يشبه الطرفاء لكنّه أعظم منها طولا، فهو اسم جنس، الواحدة أثلة، ووزن أثل فعل بفتح فسكون. (سدر)، اسم جنس لنبات النبق، وزنه فعل بكسر فسكون. (18) السير: مصدر سار يسير باب ضرب، وزنه فعل بفتح فسكون. البلاغة: 1- المشاكلة: في قوله تعالى: (جَنَّتَيْنِ). وفن المشاكلة: هو ذكر الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبته.
والآخر: أن يكون مصدرا لا يثنى ولا يجمع; كما قال الله تعالى: ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فجاء بالسمع موحدا. وكذا مقعد صدق و ( مسكن) مثل مسجد ، خارج عن القياس ، ولا يوجد مثله إلا سماعا. ( آية) اسم كان ، أي علامة دالة على قدرة الله تعالى على أن لهم خالقا خلقهم ، وأن كل الخلائق لو اجتمعوا على أن يخرجوا من الخشبة ثمرة لم يمكنهم ذلك ، ولم يهتدوا إلى اختلاف أجناس الثمار وألوانها وطعومها وروائحها وأزهارها ، وفي ذلك ما يدل على أنها لا تكون إلا من عالم قادر. جنتان يجوز أن يكون بدلا من ( آية) ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، فيوقف على هذا الوجه على آية وليس بتمام. قال الزجاج: أي الآية جنتان ، فجنتان رفع لأنه خبر ابتداء محذوف. ( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية ) تلاوة روحانية من ليلة 22 رمضان 1443هـ القارئ سلطان الدوسري - YouTube. وقال الفراء: رفع تفسيرا للآية ، ويجوز أن تنصب ( آية) على أنها خبر كان ، ويجوز أن تنصب الجنتين على الخبر أيضا في غير القرآن. وقال عبد الرحمن بن زيد: إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة قط ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غيرها من الهوام ، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل والدواب فإذا نظروا إلى بيوتهم ماتت الدواب.
قصرك الشيب فاقض ما أنت قاض *** ببدار من قبل حين البياض إن شرخ الشباب قرض الليالي *** فتصرف فيه قبل التقاضي العاقل من راقب العواقب، والجاهل من مضى قدماً ولم يراقب، أين لذة الهوى؟ زالت وكأنها لم تكن إذ حالت، أين الذين بروا أقلام المنى وقطوا، وكتبوا صكاك الآمال وخطوا، وتحكموا في بلوغ الأغراض واشتطوا، وانفردوا بما جمعوا فخزنوا ولم يعطوا، علوا على عال وما أسرع ما انحطوا، وسارت بهم مطايا الرحيل تخذي بهم وتمطوا.