كل نظمنا مبنية على فقدان الثقة؛ فوظائف "المفتشين" في جميع مصالح الحكومة والشركات أصبحت مؤسسة على فقدان الثقة، وهذا أكبر داء قد يصيب أمة من الأمم، فبدون الثقة، يتحول الأمر إلى جاسوسية تؤدي للضياع والنفاق. قد كان الظن بالمفتشين أن يؤدوا عملًا آخر غير هذا، وهو أن يشرفوا على عمل المرؤوسين ليوجهوهم وجهة صالحة، ويتعاونوا معهم على رسم الخطة القويمة، ويصححوا الخطأ، ويكملوا النقص، ولكنهم — في الأغلب وقفوا فقط موقف الضابط يضبط الجريمة، والصائد يرقب الفريسة، لا موقف الهادي المرشد والناصح الأمين. وليس الأمر مقصورًا على هؤلاء، فالمراجعون ومراجعو المراجعين، والأوراق تمر من يد إلى يد، ومن قلم إلى قلم، ومن مصلحة إلى مصلحة، ومن وزارة إلى وزارة، كل ذلك له أسباب، أهمها "فقدان الثقة". شخصية البارانويا.. حين الاعتقاد أنك القطعة الأخيرة على الكوكب،،. وإن شئت حصر ما يستهلك من الأموال لفقدان الثقة فلا تكتف بمرتبات المفتشين، بل أضف إليها مرتبات هؤلاء الذين ذكرنا، فلو قلنا: إن نصف مرتبات الموظفين ينفق في سبيل فقدان الثقة لم نبعِد. وليست المصيبة كلها في الأموال، فلو كنا نقدر للزمان قيمة كغيرنا من الأمم لاستفظعنا ما يستوجبه فقدان الثقة من أيام وشهور وسنين تضيع في إجراءات وتدقيقات ومراجعات ومناقضات وتعليقات مبناها كلها "فقدان الثقة".
ثم هناك عقول للنابغين وكبار أولي الأمر في الأمة تفكر ثم تفكر، وتقدر ثم تقدر، وتضع الخطط تلو الخطط، والقوانين واللوائح والمنشورات تلو القوانين واللوائح والمنشورات، ويخيل إليها أنها بما فعلت تأمن الخيانة والسرقة والتزوير، وتظن بذلك أنها تعالج ما فسد وتصلح ما اختل، وهي إنما تزيد بذلك في "فقدان الثقة".
بعض الناس ليس لديه إرادة التحسن، ليس لديه أي قابلية لأن يتخذ خطوات إيجابية، تجده مستكينًا ومستسلمًا، ولا أقول أنه ينتظر المعجزات، لكنه قطعًا لا يأخذ المبادرات، وهذا لا يمكن أن يتغير، لكن الإنسان الذي يصر وتكون له الدافعية والإرادة والتوكل على الله بصورة قاطعة، والتوكل دائمًا نقول يعني الأمل والعمل في ذات الوقت، فالإنسان يمكن أن يغير نفسه من خلال هذه الآليات، لكن لا نستطيع أن نقول أن الإنسان يستطيع أن يحصل على ما يريده بطريقة تفكيره، هذا ليس صحيحًا. ربما الأمر الأقرب للحقيقة هو أن الفكر التشاؤمي حين يستبدل بفكر إيجابي هذا يسهل على الإنسان كثيرًا، ويجد أن الأمور التي كان يستصعبها سابقًا أصبحت سهلة في نظره، ومن هنا تتحسن الدافعية والإنجاز، ويحس الإنسان بالرضى. أرجو أن لا تشغلي نفسك بهذه الأمور أبدًا، الأمر واضح، الحقائق واضحة، وثقتك بالله عالية، وهذا هو جوهر الأمر، بخلاف ذلك أقول لك لا تدخلي في هذه المتاهات التي لا تسندها الحقائق العلمية الرصينة. بالنسبة لموضوع الخطبة: أنا أيضًا أريدك أن تأخذي الأمر بمفهوم واضح، وهو أن هذا الأمر ربما في الأصل ليس فيه خير لك، لذا صرفه الله عنك، ويجب أن تكوني أنت على هذا النسق من هذا التفكير، فليس كل زواج صالح، وليس كل زواج سيء، لكن شاهدنا الكثير من الزيجات التي حوّلت حياة الزوجين - خاصة الزوجة - إلى تعاسة، ولم يستمر الزواج.