وقد ذهب « أهلُ التَّفسير » إلى أنَّ المراد منها « الزِّنا » ، وظاهر الآية أنَّها تتوجَّه بخطابها إلى أزواج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومِّمن ذهب إلى ذلك « الطَّبريُّ » في تفسيره حيث يقول: « من يزن منكن الزِّنا المعروف الذي أوجب الله عليه الحد ». انتهى كلامه. ويُلاحظ على « الطَّبريّ » أنَّه لم يجر على عادته ومنهجه في تفسيره من ذكر الآثار التي تقول بما ذهب إليه. والقول بأنَّ معنى « الفاحشة » هنا « الزِّنا » ارتضاه « القرطبيُ » في تفسيره ونسبه إلى قومٍ ولم يسمِّهم، فقال: « قال قوم: لو قدر الزِّنا من واحدةٍ منهنَّ، - قد أعاذهنَّ الله من ذلك – لكانت تُحدُّ حدَّين لعظم قدرها ». انتهى كلامه. ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. وبما أنَّ الله قد أعاذهنَّ منه، فلمَ القول بما ذهب إليه القوم؟! أمَّا الموضع الثَّالث الذي ذكرت فيه « الفاحشة المبينَّة » فهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} « الطلاق1 ».
ثالثا: السكنى واجبة للمطلقة على زوجها قبل انتهاء عدتها فقد عصت الله وأثمت. رابعا: إذا خرجت المرأة من بيت زوجها قبل انتهاء عدتها فقد عصت الله وأثمت. خامسا: حدود الله تعالى يجب التزامها وعدم تعديلها لأنها شريعة الله. سادسا: إقامة الشهادة حق لله تعالى على عباده لدفع الظلم عن الخلائق. سابعا: التوكل على الله والالتجاء إليه، ملاك الأمر كله، وراحة النفس.. خاتمة البحث: حكمة التشريع: الأسرة لبنة من لبنات المجتمع الإسلامي، وبها قوامه، ففيها تلتقي النفوس على المودة والرحمة، والتعاطف والستر، وفي كنفه تنبت الطفولة، وتدرج الحداثة، ومنه تمتد وشائج الرحمة، وأواصر التكافل. ولكن الحياة الواقعية والطبيعة البشرية تثبت بين الفينة والأخرى، أن هناك حالات لا يمكن معها استمرار الحياة الزوجية، لذلك شرع الله الطلاق كآخر حل من حلول تتقدمه، إن لم تجد كل المحاولات، وأباح للرجل أن يركن إلى أبغض الحلال وهو الطلاق. تعريف الفاحشة. ولكن ليس من السنة أن يطلق الرجل في كل وقت يريد، فليس له أن يطلقها وهو راغب عنها في الحيض، وفي ذلك دعوة له ليتمهل ولا يسرع ليفصل عرى الزوجية، ويتفكر في محاسن زوجه لعلها تغلب سيئاتها، فتتغير القلوب، وتعود إلى صفائها بعد موجة من الغضب اعترتها، وسحابة غشيت المودة التي يكنها الزوج لزوجه.
قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ 1. ما معنى الفاحشة؟ تُطلق الفاحشة بصورة عامة على كل عمل أو قول يشتدُ قبحه، لكن المقصود بها في النصوص الدينية هي الذنوب و المعاصي الكبيرة كالزنا و اللواط و غيرها. و من الواضح أن الفاحشة معصية يستحق مرتكبها العقاب في الدنيا و الآخرة بحسب ما جاء في الآيات القرآنية و الاحاديث المأثورة عن النبي المصطفى صلى الله عليه و آله، و عن عترته الطاهرة عليهم السلام. ما معنى اشاعة الفاحشة ؟ لقد حرم الله عَزَّ و جَلَّ فعل الفاحشة ــ كما هو واضح ــ و إلى جانب ذلك حرم أيضاً إشاعة الفاحشة، و المقصود بإشاعة الفاحشة هو إذاعة و نشر أخبار الفاحشة و التحدث عنها لما فيها من المفاسد الفردية و الاجتماعية، فتوعَّد الذين يقومون بنشر الفاحشة بالعذاب الاليم في الدنيا و الآخرة. رَوى الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و آله قال: "مَنْ أَذَاعَ الْفَاحِشَةَ كَانَ كَمُبْتَدِئِهَا، وَ مَنْ عَيَّرَ مُؤْمِناً بِشَيْءٍ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَرْكَبَهُ" 2.