الهروب من الواقع ومثلث السلوك! قمت قبل أسبوع بنشر سؤال لطلاب الجامعة على حسابي في تويتر، وكان السؤال "هل تعاني من مشكلة الهروب من الواقع خلال فترة الاختبارات؟". شارك في الاستبيان 148 شخصاً، أجاب 68% منهم بنعم و 32% بلا. سأتناول هذا الموضوع كوني أحد من عانى من هذا المشكلة. إن الأفعال التي نقوم بها ما هي إلا نتيجة لما نفكر به وتمثيل حقيقي لما نشعر به. على سبيل المثال، الطالب الذي تراوده فكرة أن المادة معقدة وصعبة الفهم، قد تتولد لديه مشاعر التبلد وعدم الاهتمام بدراستها، فيقوده ذلك إلى عدم بذل الجهد لتعلم تلك المادة، لأنه يتعقد أنها صعبة وغير قابلة للتعلم،... الخ. هذا السير في مثلث السلوك نبع من فكرة ما عن أمر ما، فولدت تلك الفكرة مشاعر تجاه ذلك الأمر، مما أدى إلى القيام بأفعال تترجم تلكم المشاعر والأفكار. وهناك مثل غربي يقول " Garbage in, garbage out"، ومعناه هو أنك ستصبح ما تفكر به. فإن كنت تغذي نفسك بأفكار إيجابية، فستتحول الأفكار إلى مشاعر إيجابية، تدفعك للعمل بإيجابية، والعكس صحيح. ولنعالج مشكلة الهروب من الواقع في أيام الاختبارات علينا أن نصل إلى السبب الرئيس لهذه المشكلة. الهروب من الواقع الى الخيال. ويكون ذلك من خلال سؤال أنفسنا عن سبب هذا الهروب، وسبب تلك المشاعر التي تدفعنا لعدم الانغماس في عملية المذاكرة والتعلم.
- البحث عن المشكلة وتشخيصها جيداً. - سؤال أهل الخبرة وجمع الآراء. - حَلُّ معظم المشاكل يكمن في المواجهة، كما قال ابن حزم -رحمه الله: "اللقاء في المشكلات يحل نصف أزمتها".
نحِّ هذه الأسماء جانبًا، فهي معركة الخوف والدم كما رآها الشعب الغزّي المسكين. الهروب من الواقع بالنوم. من 8 يوليو حتى 26 أغسطس، خمسون يومًا في الجحيم قضيتها برفقة والدي فقط، دون وجود الأسرة المعتاد الذي هوّن الحروب القاسية من قبل. خمسون يومًا قضيتها وأنا أحاول التعافي من تجربة شخصية تركت في نفسي جرحًا مفتوحًا بطول الروح، وما بين جرحي وجرح الوطن أوجاع لا تنتهي، فكيف السبيل إلى الخلاص؟ كيف أنشغل عن صوت طائرة الاستطلاع التي ارتبطت بذاكرتي بصورة حارس الموت بمنجله المقيت؟ كيف أنشغل عن طائرة الـF16 وهي تحلق أعلى المبنى الذي أسكنه، وأشاهد من شباكي الصاروخ الذي أطلقته، ولحظاتٍ وأسمع انفجاره المدوي، ودقائق ويأتي الخبر من جهاز الراديو يُخبر عن العائلة التي انتهت أو المنزل الذي دُمر؟! إنها القراءة ، نعم كنت أقرأ بنهم، أقرأ بكثرة، أقرأ رغم انقطاع الكهرباء، أقرأ والقصف مستمر، أقرأ والراديو لا يكف عن تعداد الشهداء والجرحى، أقرأ وأنا على يقين أنه قد تكون الورقة التي أقرأها آخر عهدي بالدنيا. قبل الحرب، كانت صديقتي قد جلبت لي ما يقارب عشرين عددًا من سلسلة فانتازيا، وكان عندي مجموعة من الكتب، ولم أجد في نفسي طاقة لقراءتها، ولم أكن أعرف أن الله يعطل قراءتها لتلك الأيام المشؤومة.
روايات الرعب في مصر حققت مبيعات هي الأكبر بين باقي أنواع كتب الأدب والثقافات، وحاول علماء نفس وعلماء اجتماع تفسير الظاهرة وربطها بالأحداث الدموية وأحداث الإرهاب التي شهدتها مصر في الأعوام الأخيرة، والهروب النفسي من قبل الشباب إلى عالم الرعب للتخفيف من الدموية التي تسيطر على المشهد. الدكتور شاكر عبد الحميد يقول الدكتور شاكر عبد الحميد، الأديب ووزير الثقافة الأسبق، إن هناك حالة من الإقبال الشديد على أدب الرعب والخيال العلمي والفانتازيا على مستوى القراءة والكتابة بالمعنى السيكولوجي، موضحا أن هذا النوع من الأدب يعدّ من أساليب مواجهة الخوف، التي ابتكرها الإنسان من خلال الخوف المتخيل الذي يواجه به الخوف الحقيقي، مشيرا إلى أنّ هذه الآلية تسمى «الإشباع البديل» بمعنى أن الإنسان يواجه خوفًا يتعلق بأحداث وكوارث ودمار يحدث للآخرين، وليس للقارئ أو الكاتب، مؤكدًا أنّ الكاتب هنا آمن ومستمتع بالتخيل بأحداث تقع على مسافة منه.