وقد اختلف في وجوب ستر العورة إذا كان الرجل خالياً ، ولم يُختلف في أنه في الصلاة لا بد من اللباس ، لا تجوز الصلاة عرياناً مع قدرته على اللباس ، باتفاق العلماء " انتهى باختصار. "مجموع الفتاوى" ( 22 / 113 - 117). وقال ابن القيم رحمه الله: "العورة عورتان: عورة النظر ، وعورة في الصلاة ، فالحرَّة لها أن تصلِّي مكشوفة الوجه ، والكفين ، وليس لها أن تخرج في الأسواق ، ومجامع الناس كذلك " انتهى. " إعلام الموقعين " ( 2 / 80). الرد على دعوى القائلين بجواز كشف المرأة الوجه والكفين. والله أعلم.
العلة الثانية: أن قتادة مدلس، وقد عنعن، ولم يصرح بسماعه من خالد بن دريك. والعلة الثالثة: أن خالد الراوي، عن عائشة لم يدرك عائشة، بل هو منقطع، لم يدركها، ولم يسمع منها؛ فصار الحديث ضعيفًا من هذه العلل الثلاث، ولا يستقيم الاحتجاج به، ولا يصح الاحتجاج به في هذا المقام العظيم، ولو صح؛ لكان هذا قبل الحجاب، لا بعد الحجاب، والله المستعان نعم. وقد بينا هذا في كتاب الحجاب التي توزع، كتبنا في هذا رسالة في الحجاب من مدة طويلة، فهي توزع بين الناس، وتوزع من طريق... أيضًا، وهي رسالة بحمد الله موجزة، لكنها مفيدة. كيف نجيب على أدلة جواز كشف وجه المرأة ؟ - الصفحة 2 - هوامير البورصة السعودية. وهكذا رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية في الحجاب مفيدة، وكذلك رسالة لأخينا وابننا العلامة الشيخ محمد بن عثيمين في الحجاب جيدة، وهكذا رسالة العلامة المودودي في الحجاب جيدة. وقد ورد في كتاب الحجاب لأخينا العلامة الشيخ محمد ناصر الألباني شيء يدل على ميله إلى جواز كشف المرأة وجهها وكفيها، وإن كان يرى أن الستر أولى وأحوط، لكنه غلط -وفقه الله- في هذا، وكما يقال زلةُ العالمِ زلةُ العالَم، زلة العالِم مصيبة، فهذه زلة من أخينا الشيخ ناصر الدين الألباني وهو من خيرة العلماء، ومن خيرة الأخيار، نعرفه كثيرًا، ولكنه له زلات كغيره، كل واحد من العلماء له أخطاء، وله غلطات، هذه من غلطاته -عافاه الله وهداه-.
ومما هو أشد إثارة من المتقدم؛ أن تنزل هذه الآيات في بدايات الإسلام ثم لا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يُذكر بها النساء اللاتي يبدين وجوههن كالخثعمية، وحديثها في البخاري ومسلم وغيرهما، وكالمرأة التي في حديث جابر عن حجة رسول الله، وهو حديث في مسلم. مقتضى ما يميل إليه المحتجون بآية الجلابيب وغيرها هو دلالتها الصريحة على تغطية الوجه؛ كما هو رأي لطف الله خوجة وغيره، وإذا كان الأمر كما ذهب هؤلاء؛ فكان من المنتظر أن يأمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، هاتين المرأتين بتغطية وجهيهما، وخاصة الخثعمية؛ لأن حديثها بعد يوم عرفة الذي نزل فيه قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)؛ وإذا لم يفعل فذلك دليل صريح قاطع على أن الآية لا تدل على هذا المعنى الذي فهموه. ومما يُحتج به على جواز كشف الوجه في سياق الحديث عن تفسير هذه الآيات، والمأثورات فيه؛ أن أكثر الصحابة، رضي الله عنهم، روي عنهم هذا الرأي؛ فالبيهقي في سننه يجعل هذا الرأي مروياً عن ابن عباس وابن عمر وعائشة، ويجعله ابن القطان في كتابه "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر" مروياً عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعائشة وأبي هريرة (النظر في أحكام النظر 49).
انتهى. واستدلوا بما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. متفق عليه. واستدلوا بما أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما عن عائشة: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب شامية رقاق فأعرض عنها ثم قال: " ما هذا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه. قال أبو داود هذا مرسل/ خالد بن دريك لم يدرك عائشة. وقال ابن القطان: ومع هذا فخالد مجهول الحال. قال المنذري: في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد. وراجع الفتاوى التالية أرقامها للزيادة من التفصيل وكلام العلماء في المسألة وبيان الراجح عندنا فيها: 36200 ، 5224 ، 18552 ، 4470 ، 50794 ، 32195 ، 12339 ، 17573. والله أعلم.
إنّ المرأة يجوز لها إبداء وجهها وكفيها، وأنه الظاهر من زينتها، وأنّ الرجال لا يحرم عليهم النظر إلى ذلك إلا عند قصد الالتذاذ، أو الخوف من الافتتان».. وهذا الرأي عندي أقرب إلى روح الدين، القائمة على تربية الإنسان، وزراعة الوازع فيه، وهو أليق المعاني، وألصقها بفكرة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان أمامي في مسألة حجاب المسلمة ثلاثة كتب؛ أولها كتاب الإمام الفقيه المحدث الحافظ، هكذا كتب على غلاف الكتاب، ابن القطان الفاسي، وعنوانه "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر"، وثانيها كتاب الشيخ الألباني، وعنوانه "حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة"، وثالثها كتاب أ. د لطف الله خوجة، وعنوانه " الدلالة المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء وجه المرأة"، والاختلاف بين هذه العناوين يكشف ما حدّثتكم عنه في الفقرتين السالفتين، يكشف الفرق بين إنسان استلبه العلم وطلبه، وصارت عينه على المباحثة والنظر وتقليب النصوص، والسعي في اكتشاف مرادها، وبين إنسان استلبه الرأي الفقهي، وملكته الثقافة السائدة، ودفعاه إلى ادّعاء شيء، لا تساعده عليه النصوص، ولا يسمح له خلاف العلماء حوله، من لدن الصحابة إلى هذا العصر، به.