00:15:33 ومن فوائد الحديث: أن خير ما يتخذ المسلم من الكنوز والذخر هذه الأشياء الثلاثة: قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجة تعينه على أمر الآخرة. وفيه: تنبيه السائل عند جوابه على ما هو أنفع له في دينه ودنياه؛ لأنهم سألوه: ماذا نتخذ من المال؟ نزل في الذهب والفضة ما نزل من التخويف، ماذا نتخذ من المال؟ فلفت نظرهم إلى ما هو أنفع من كل الأموال، الكنز الحقيقي. وكذلك في الحديث: منزلة القلب؛ لأن أول شيء لما قالوا له: ماذا نتخذ من الأموال؟ قال: اتخذ قلبًا شاكرًا فبدأ به، فهذا القلب الذي يتخذه المؤمن، ويجعل هذا القلب شاكرًا لنعمة ربه عليه، بلا شك أنه سيكون نِعم المدخر، نِعم الادخار، ادخر هذا الكنز، هذا القلب الشاكر، واللسان الذاكر، وهذه الزوجة الصالحة، وفعلًا هذه أسباب السعادة في الدنيا والآخرة.
ما هو مفهوم الحديث: خير متاع الدنيا: المرأة الصالحة ؟ أنه لو كانت عكس ذلك فهي وبال عليه، وسبب من انحرافه وانتكاسه وهبوطه في الدركات. علي جمعة لـ من يكنزون الذهب والفضة: الله يبشرهم بعذاب أليم. الزوجة التي تعين على أمر الآخرة: العفيفة، الدينة، المصونة، الكريمة، المؤمنة التي تؤدي حق الله، وتشكر نعمة الزوج، وتعرف حرمته، هذه تكاد تكون أطيب حلال الدنيا، الزوجة الصالحة، ولذلك حث عليها، وحرص، وأمر بها، والسعي في اتخاذها. وإذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في عرضه وعرضها وماله، وتحفظ عليه نسبه وفراشه. خير متاع الدنيا: المرأة الصالحة التي تحفظ زوجها من الحرام، وتعينه على أمور الدين والدنيا، وكل لذة أعانت على أمور الآخرة فهي محمودة، وهذه لذة، لكن لأنها تعين على أمر الآخرة فصاحبها يتنعم بها في الدنيا، وتكون سببًا في نعيمه في الآخرة، فهي التي تجتنب مساخط ربها، ومكاره زوجها، وتحسن أخلاقها، وتصبر على جفائها، ولا تخونه في ماله، ويطيب عيشه بذلك. وقال القاضي عياض -رحمه الله-: "رغبهم عنه" يعني: عن الذهب والفضة- "رغبهم عنه" يعني: ألا يحرصوا عليه "إلى ما هو خير وأبقى من الذهب والفضة" ألا وهي: المرأة الصالحة الجميلة، ما دامت معه، قال: "تكون رفيقتك تنظر إليها فتسرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ عليك سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك، وإذا غبت عنها تحامي مالك، وترعى عيالك [عون المعبود: 5/83].
وقد دل القرآن الكريم والسنة المطهرة المتواترة على أن تارك الزكاة يعذب يوم القيامة بأمواله التي ترك زكاتها، ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وهذا الوعيد في حق من ليس جاحدًا لوجوبها. قال الله سبحانه في سورة التوبة: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]. تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل). ودلت الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ على ما دل عليه القرآن الكريم في حق من لم يزك الذهب والفضة، كما دلت على تعذيب من لم يزك ما عنده من بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم وأنه يعذب بها نفسها يوم القيامة. وحكم من ترك زكاة العملة الورقية وعروض التجارة حكم من ترك زكاة الذهب والفضة؛ لأنها حلَّت محلها وقامت مقامها. أما الجاحدون لوجوب الزكاة فإن حكمهم حكم الكفرة ويحشرون معهم إلى النار وعذابهم مستمر أبد الآباد كسائر الكفرة؛ لقول الله في حقهم وأمثالهم في سورة البقرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، وقال في سورة المائدة: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [المائدة:37].
(لا) ناهية جازمة (تظلموا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل (في) حرف جرّ و(هنّ) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (تظلموا)، (أنفس) مفعول به منصوب و(كم) ضمير مضاف إليه الواو عاطفة (قاتلوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (المشركين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء (كافّة) حال من ضمير الفاعل أو من المشركين، منصوبة الكاف حرف جرّ (ما) حرف مصدريّ (يقاتلون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل و(كم) في محلّ نصب مفعول به (كافّة) مثل الأول الواو عاطفة (اعلموا) مثل قاتلوا (أنّ اللّه) مثل إنّ عدّة (مع) ظرف منصوب متعلّق بمحذوف خبر أنّ (المتّقين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء. جملة: (إنّ عدّة الشهور... وجملة: (خلق... وجملة: (منها أربعة حرم) في محلّ رفع نعت ل (اثنا عشر). وجملة: (ذلك الدين... وجملة: (لا تظلموا... وجملة: (قاتلوا... ) لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تظلموا... وجملة: (يقاتلونكم... ) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (ما). وجملة: (اعلموا... والمصدر المؤوّل (أنّ اللّه مع المتّقين) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي اعلموا. الصرف: {القيّم} صفة مشبّهة بمعنى المستقيم مشتقّ من قام يقوم، ففيه إعلال بالقلب، أصله قيوم زنة فيعل بكسر العين، فلمّا اجتمعت الياء والواو والأولى ساكنة منهما قلبت الواو إلى ياء، ثمّ أدغمت الياءان لسكون الأولى فهو (قيّم).
وروى البخاريُّ ومسلم عن أبى ذَرٍّ رضي الله عنه قال: "كنا بالشام، فقرأتُ: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34]، فقال معاوية رضي الله عنه: ما هذه فينا، ما هذه الآية إلا في أهل الكتاب"، قال: "قلت: إنها لفينا وفيهم" [2]. دلت الآيةُ الكريمة على زكاة العين: الذهب والفضة؛ وهي تجِب بأربعة شروط: "الحرية، والإسلام، والحَول، والنِّصاب السليم من الدَّين"، والنِّصاب مائتا درهم فضة، أو عشرون دينارًا من الذهب، والدليل من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول))، وقوله ((ليس في أقلَّ من مائتي درهمٍ زكاةٌ، وليس في أقلَّ من عشرين دينارًا زكاة [3])) [4]. فوائد من الآيتين الكريمتين: 1- بيان حقيقة علماء اليهود والنصارى؛ وهي أنهم مادِّيون، باعوا آخرتَهم بدنياهم، يحاربون الإسلامَ ويصدون عنه؛ للمحافظة على الرِّئاسة، وللأكل على حساب الإسلام. 2- حرمة أكل أموال الناس بالباطل بجميع صوره. 3- حرمة جمعِ المال وكنزِه وعدم الإنفاق منه. 4- المال الذي تُؤدى زكاتُه كلَّ حول لا يقال له: كَنز، ولو دُفن تحت الأرض.
ويوضح التعريفان السابقان أن الذهب والفضة وهما أصل المال؛ يمثلان القيمة والجاه والجمال؛ والمال محبوب وهو ما تميل إليه النفس. وللذهب والفضة دور تاريخي في التجارة والمضاربة والشركة والمشاركة. فالتجارة هي المعاملة الحلال؛ يقول الله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة: الآية 275)، والمضاربة؛ حيث يمثل المودعون أصحاب المال وشركة الاستثمار الإسلامية صاحب العمل، أما المشاركة؛ حيث تكون شركات الاستثمار شركات أخرى. وكلها صيغ للتعاملات في مجال الاستثمار. 4- وللذهب والفضة مزايا عديدة؛ جعلت منهما أهم مقاييس عالمية للقيمة؛ بالإضافة إلى وظائف النقود الأخرى، وهي أداة للتبادل، والادخار. ومن أهم مزايا معدنا الذهب والفضة بالإضافة إلى جمال الرونق وسهولة التعرف عليه بالعين المجردة، عدم القابلية للتلف، والقابلية للتجزئة لأجرام متماثلة الجوهر حيث يتلاءم حجمها مع القيم المختلفة لعمليات التبادل، كما أن الندرة النسبية للمعدنين جعلت قيمتهما مرتفعة بحيث مقدار ضئيل منهما يتم تبادله بكمية كبيرة من السلع الأخرى، أيضاً الثبات النسبي في القيمة بالمقارنة بغيرهما من السلع، كما أن التماثل التام في جوهر المعادن النفيسة مما يؤدي إلى إمكانية قياس عيار هذه المعادن (درجة نقائها) والتحكم فيه بحيث يمكن عمل مسكوكات ذهبية أو فضية متماثلة في الجوهر والتركيب والحجم والوزن [3].
الذهب والفضة جنبا إلى جنب نعيش في عصر الأوراق النقدية والعملات حيث يلجأ معظمنا إلى تخزين ثروته المادية على شكل نقود في البنوك والمخازن الخاصة تفاديا لسرقتها وضياعها، وهو ما نقوم به جميعا سواء لأجل شراء منزل أو أراضي أو عمل مشروع تجاري واستثمارها في التجارة أو حتى شراء لشراء حاجيات أخرى وخدمات مكلفة. إذا كنت تخزن الأوراق النقدية للأغراض السابقة التي يمكنك شراؤها بعد عام أو عامين إلى سنوات قليلة إضافية فلا بأس من الإحتفاظ بها على شكلها الحالي مع تحملك المسؤولية الكاملة عن انهيار قيمتها في حالة حصول شيء، لكن إذا كنت تخزنها بعيدا عن السيولة المتعلقة بالمعيشة والحاجيات الأخرى فمن الأفضل أن تكون ذهبا وفضة. منذ أن قررت التعمق في حقيقة النظام المالي العالمي والأموال والنقود قادتني أسئلتي نحو الحقيقة المؤلمة التي لا يعرفها أغلب الناس في وقتنا الحالي، وهي أن الذهب والفضة أشكال حقيقية ومنطقية للمال بينما الأوراق النقدية والعملات تنهار وتختفي لأنها تفقد قيمتها النابعة من ثقة المستثمرين والمتداولين وليس من أي شيء آخر! ولا يمكنك أن تتعمق في هذه الأمور دون أن تقرأ كتب المتخصصين في عالم المال ومن هذه الكتب العظيمة بل وأعظمها هو القرآن الكريم.