إنها رواية ما يجري من عبثية الاستبداد والعنف أمام عيني الطفلة، فيغيب العقل: "لقد أخبرتك أن رأسي أسفل قدمي، وهو رأس غامض وغير مفهوم بالنسبة لي". هكذا تتوجه الساردة في الرواية بالخطاب إلى القارئ مباشرةً: "لا أعرف من ستكون، لكني أخمن أنك سوف تقرأ هذه الكلمات. قد لايعنيك ذلك كثيراً الآن، لأنك مازلت شخصا مجهولا". البراءة أمام تجربة القمع، العنف، والتعذيب تفتتح الرواية بحادثة الانتظار على أحد حواجز دمشق العسكرية بين الأحياء السكنية، تصف الطفلة العالم العبثي من حولها، ولكن خصائصها من ذوات الاحتياجات الخاصة تمنح السرد تلك القدرة على استنطاق الجنون والفوضى في رؤية الواقع: "الساعة الثانية التي قضيناها لنصل إلى الحاجز الثاني، كانت ثقيلة. كيف افقد الوعي بسهوله كدا. أمي تزعجبني وتشدني إليها بقسوة، أنا لا أتحرك، كانت تحاول أن تخفيني في صدرها". لكن دفقاً من الحرية في العقل غريب الأطوار يدفع الطفلة إلى الركض عند الحاجز، وتعريض والدتها للرصاص والموت. لحظة الحرية التي تشعرها طفلة ساذجة عند حاجز عسكري حكاية رمزية عن الواقع السياسي السوري. في الحكاية تنتقل الطفلة إلى المستشفى وتشهد على عالم من العنف، من الضحايا، مزيج من الطب والتعذيب يجري من حولها.
هذا ما كنت أريد تجربته لأعرف أين ستقودني قدماي". لكن الشخصية أيضاً ممكن أن تمثل كل وعي منع من النضوج أو من إكمال تشكل ذاته، فقد ربطتها والدتها بحبل إلى السري منذ أتتها العادة السرية للمرة الأولى، وكأنها قيدت اكتمال نضجها. في رواية ( فيرديدوركه ، 1939) للكاتب البولندي (فيتولد غومبروفيتش، 1904-1969) يكون عدم النضوج أيضاً موضوعة فلسفية وكذلك حبكة أساسية في تشكيل الحكاية. فشخصية (فيرديدوركه) تعاني من مشكلتان، إحداهما عدم النضوج، يكتب الروائي في مقدمة الطبعة الأولى: "إنها لحقيقة أن الرجال مجبرون على إخفاء عدم نضجهم"، وتثير الرواية هذا السؤال: ألا ترون أن نضجكم الخارجي هو شيء خيالي؟ بينما تتظاهرون أنكم ناضجون وفي الحقيقة تعيشون في عالم بالغ الاختلاف، وهكذا تظل الثقافة دائماً بالنسبة إليكم أداةً للخداع ". كيف أفقد الوعي بسهوله. وهكذا يحول الروائي شخصيته الرئيسية من البلوغ إلى الطفولة ليعبر على أن الثقافة تحيل الإنسان طفلاً لأنها تنحو آلياً إلى التطور وعلى هذا فهي تتجاوز الإنسان وتنأى عنه. وإذا كان (غومبروفيتش) قد لجأ إلى فكرة الشخصية الفاقدة للنضج وذلك لنقد البنى والقيم الثقافية السائدة، فإن (سمر يزبك) تبتكر شخصية الساردة الغريبة الأطوار لتتمكن من سرد الواقع السوري المليء بما يحتاج إلى وعي قليل الإدراك لاحتماله، إنه واقع غريب الأطوار يجب التعبير عنه عبر وعي شكلته الكاتبة من خصوصية السذاجة في الحالة العقلية والجسدية، ولكن بالآن عينه الحساسية الإنسانية والأخلاقية العالية الحضور في وعي البطلة.